أحمد أبو ياسر - العمر فرصة

011.jpeg

أَيْقَظَتهُ زوجته من نومه باكرا ، كالعادة ، حمل المعولَ والمسحاةَ والمنْجل والمِقْرَاض الأسود ، اتجه إلى الركن المعتاد، وانتصب متكئا على مسْحاته، يرقب الطريق عسى أن يُطِلّ زبون كريم، يحتاج خدمات بستاني. لما أحس بالتعب أسند ظهره إلى الحائط، وأشعل السيجارة الأولى ، بدأ الملل يدب في أوصاله، ودون أن يشعر وضع يديه خلف ظهره، وألقى رأسه وإحدى رجليه على الجدار، بينما استند على الرِّجْل الثانية ، وصار يرفع اليسرى مرة، ومرة ينزلها ليرفع اليمنى، انتظرطويلا على هذه الهيئة، قبل أن يقْعُد القُرْفُصاء ، حينما اشتد الحرُّ ، وأضناه التعبُ ، خلع جلبابه وفرشه أرضا ، وطفق يتفرج على لاعبي الورق من رفاقه والمتقاعدين الذين توافدوا إلى المكان مِنْ صلاة الصبح... انسحب أحدهم ، فأخذ مكانه، وانغمس في الترويح عن النفس... بعد فترة، مرت زوجته بالقرب من المكان ، وقفتْ برهة ًترقبه ، وقد هالها حال طربوشه المُغْرَز بريش الطيور وشاراتٍ دالة على خساراته المتكررة، قرب المساء لَمْلم أغراضَه وعاد أدراجه ، توضأ وصلى وجلس قرب المائدة، اتّخذت الزوجة مجلسها قرب الصينية، ملأت الكأس ومدتها إليه، وهي تقول ساخرة: - تستحقه أيها الهمام، أنظرْ، أنظرْ، رأسك ما زال متوجا، أما المصروف، فكما يقولون : " الله يجيب". رشف شايه في جرعتين، وأعاد إليها الكأس بيد، واليد الأخرى راحت تبحث عن الشارة الشاردة في طيّةِ طربوشه، سقطت الكأس من يده ، فانحنى يبحث عنها ، لما رفع رأسه كانت عيناه تدمعان... أغلقهما، ووضع الطربوش عليهما، ونام في مكانه... أما هي فباتت تتقلب على فراشها كأن به جمرا وهي تحسب العقود والسنين التي قضاها الرجل في الكد دون أن يشكو أو يتبرم، تحكي لِلَيْلها وتبكي حظهما السيء مع الأبناء الذين كبروا ورحلوا... نبهتها سقطة الكأس، أخيرا ، إلى أن الرجل مجرد لحم ودم ... هبّت من غرفتها باكرا ، وبدل أن توقظه هذه المرة ، أسرعت إلى المطبخ، وحضّرت له أكلة لم يتذوقها من شهور خلت... قصدته باسمةً ، تريد أن تصالحه ، نادته ... هزته... لما أيقنت أن الوقت قد فات ، ارتمت على الأرض ، وصرخت صرخة حسرة مدوية ، اخترق صداها أركان البيت، وغمر فضاء الحي الصفيحي حزنا، وامتد مع روح المسكين إلى ما لا نهاية ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى