عبد الجبار الحمدي - تجاعيد خمسينية.. قصة قصيرة

تجاعيد خمسينية..

يا إلهي!! ها انا أعيد الكرة! احتفل بعيد زواجي الذي أعشق خاصة أنه يتوافق مع بداية العام الجديد رغم أنه لا يبالي، أراني أستذكر على مرآة زينتي تجاعيد السنين ما ان أتلمس وجهي خلالها تلك كانت نتيجة اول عراك، والأخرى نتيجة زعلي مع والدته، وهاته كانت بسبب غيرتي حين رأيته يتحدث الى من قال إنها زميلة في العمل.. وهاته.. وتلك.. أوه لا يمكنني أن احصيها، مللت فبت اغطيها بمساحيق إمرأة همها ترميم ناصية بيتها، شد وثاق صارية الحياة كي تستمر في المسير.. خزف كل أيامي لذا تراني اتحسس من الاصطدام بها خوف كسرها فلا يمكنني أعادتها الى شكلها الذي كانت عليه حتى وإن عملت على لصقها... خرج كل من في البيت من الابناء لم يبقى سوانا منذ أكثر من خمس اعوام لا هم له سوى القراءة ولا هم لي سوى تنظيف البيت... أستهلكنا كل مشاعرنا أحاسيسنا فصرنا كبطارية شحن لم تعد تستحق ان تستخدم... هكذا قال لي بالأمس عندما سألته هلا يمكننا ان نخرج مساء الغد لنحتفل بعيد زواجنا بتزامنه براس السنة، إنه عام جديد لعله يحمل بما لا نرغب فيه، فكل الاعوام السابقة حلمنا بما نرغب عَزِفَ عن تحقيقها او حتى ذكرها، لم يا حبيبي لا نخرج؟

خرجت كلمة حبيبي دون ان اكون قد اعددت لقولها.. أدار رأسه بإتجاهي مستغربا!! ماذا قلتِ؟ حبيبي ههههههه يا ربي كم عام إنقرض لم اسمعك تقولينها، يبدو ان الوحدة قد زحفت حيث منفاك الذي اتخذتِ ربما صرح لك بأن ساعتك قد حانت.. ففزعت كما تعودت منك فأجدك تهرعين حيث حضني تهمسين إني اشعر بالخوف من هاجس يعكر نفسي..

هكذا أراه يختزل مشاعري كي ابقيها غير مكتملة المعاني يقتظب منها فأراها دون معنى فلا اقولها لك... لكن وبعد أن أقبل شفتيك اراك تتفتحين كوردة لملمت نفسها خوف ان يقطف عطرها من لا تحب من الهواجس، يدميني شوكك لكني أحب ان اجرح منك، فذلك الاثر الذي ستتركين سيكون بمثابة ندبة عاشق يمكن ان أتباهى بها أمام من يخالني قد نزلت عن خاصرة الرغبة.. حتى أنت ابتعدتِ عني لم أحاول قط ان أثير ما لا ترغبين فيه.. فأنت بالنسبة لي عالمي الخاص لوحة الموناليزا التي يكتنفها الغموض ولا يعرف فك طلاسم شفرتها إلا أنا شرط ان نكون وحدنا حيث مخدع الحب الذي يترجم مشاعرنا بألوان خافته تعكس معنى العمق والتجلي في متعة الألوان ومزجها.. لم أنسى أبدا لهاثك، تأوهاتك تلك التي ارى نفسي من خلالها مستكشفا اجاد ان يكبح جموح بركانك لكنه وفي الآخر بعد ان يقذف بيمك طوده يتوقف برهة ثم يعيد سحبه كي تسير الشهوة حيث لا يمكنها ان تتوقف حتى ينهكه هيجان البحر فيضطرك رافعة يدك لتعلني استسلامك بين يدي...

أجدني اليوم بعد ان أكلت نار الأيام شمعتي ثم اسالت دموع عمري الذي ابكيه كلما رأيته يتناقص تخفت إضاءته فأسارع بضمه بكفيّ حتى لا تنفخ الريح غفلة فتطفأ ما تبقى منه، كنت أراك تهربين حيث الظلمة تحاولين ان تخبئي تجاعيد السنين، لم أرغب في الحديث عما تفعلين فلا زالت تلك الأنثى الغيورة تعيش بداخلك خوف ان تأتي من تخطفني منك وتنسى بأن ما عاد هناك شيء لتخطفه.. لقد صرتِ الجلد الذي يكسو جسدي والنبض الذي يعمل عليه قلبي، جنون امرأة عبرت تضاريس الأيام على وجهها فأستغلته ثم همست لها بأن من أحبته قد يفكر في إنثى غيرها... اقولها بصراحة حبيبتي.. أنت بالنسبة لي إنثى بمعنى الكلمة وإن بلغت من العمر قرنا..

أحقا ما تقول!!؟ فإن كان ذلك لم عزفت عن النوم الى جانبي؟ لقد اتخذت لك بطانة أخرى وفراش أخر، لم تعد ترغب بدفئي وضمي الى صدرك، لقد توقفني كثيرا القرار الذي اتخذت حين وجدتك تطلب مني ان ارتب لك الغرفة المجاورة لتنام... كانت ليلة قاتمة لم أنم فيها، جلبت نيجاتيف شريط حياتي معك، ظللت أقلب صوره تلك التي بالابيض والاسود حيث اقتم الحالات، فوجدت.. نعم هناك ايام كنت انغص فيها عليك، جعلت بعضها اسود لكنها نتيجة ضغوطات حياة... ثم عرجت على قاموس مذكراتي فوجد أغلب صفحاته بطيها أحد الزهور التي احب تلك التي ما أن أراك تحملها لي حتى اجدد نضارتي أتبرعم لك كي تسقني ماء الحياة... لم اتخيل يوما ان أحدا سيعرف بذلك السر.. فعندما أراك دون باقة الزهور التي تجلبها كل ليلة بين يديك أشعر بأن العالم قد اطبق على صدري ستكون ليلتي خالية من الحياة وأتساءل لابد أني أشعرته بالملل؟!! لكني في نفس الوقت اراك ونفسي نَجِدُ في العمل حتى نبني بيتا ركله الوقت إلينا دحرج في عالمنا ثمرة الأمل ابناءنا الذي دلفوا يمرغون أنوفنا في عالم البراءة وتعب المسئولية... نشكو لكن بفرح... تسارعت الخطى فلم نعد نلحق بهم خرجوا حيث لم نعي أنا في يوم كنا مثلهم... واكبوا الحضور سنين خلت لكن يبدو ان الايام قد نالت منهم فبعِدوا وخليت الرفوف من إطارات صور... هكذا أحسست خاصة عندما رأيتك في مرة تتصفح ألبوم صورهم وقد دمعت عيناك، لم أرغب في إفساد لحظتك تلك فشاركتك الدموع بل أجهشت في البكاء، ابتلعت مرارة البعاد والنسيان.. شرعت أطرز ذكريات وجعي بما كنت تسأل عنه فأقول لك لا أدري ماذا سيكون؟

هاهو عمري قد ركب الخمسين, اظنك ركبتها قبلي بسنوات... أوجعتك لاشك، اعلم الآن قسوتها، لكنها الحياة ودواهيها... حاولت في السنين الماضية معارضتها صفعها بقولي لن تستطيعي هزم نضارتي وروحي، لن أستسلم لك، سأعيد ترتيب ما بعثرته في سالف الأيام، سأفتح جاروري السري الذي خبأت فيه أحد صفحات عنفوان نضارتي بأن أنوثتي متقدة سأنثر عليها ورق الزهور الذي ترغب سأرتدي الثياب التي تحب سأكون لك كما ستكون لي ها انا انتظرك تأتي هذا المساء سأفاجئك كما كنت أفعل.. لكنك تأخرت! سأنتظر مجيئك حتى لو انتصف الليل أو زاد بعد انتصافه بكثير..

كنت قد غفوت.. لكن عطر طيف انفاسك سبقك على إيقاظي سارعت بترتيب حالي.. وقفت كي اُقبلك حتى وإن لم ترغب.. ستتفاجئ بإنثاك التي احببت ولا زلت.. لكن الصدمة منك لي كانت اكبر!!! حين بادرت بتقديم باقة الزهور التي اخفيت خلف ظهرك كما عودتني...



بقلم/ عبد الجبار الحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى