شهادات خاصة سيد الوكيل - فيه ناس من الخمرة تصبح وحوش وناس من الخمرة تصبح بشر

عندما قابلت حسين البتاجي لأول مرة، لم أكن أعرف عنه أي شيء، فيما كان هو يعرف عنى الكثير.. هيئته لم تكن تدل على أنه واحد من المثقفين الذين ألفنا أشكالهم، ونلقاهم في المقاهي والمؤتمرات، هذا مثقف بلا كوفية فلسطينية، ولا حقيبة معلقة في الكتف، ولا نظارة نظر شفافة، ولا كلمات متأنقة..
ثم شيء من التلقائية وصلني بسرعة، ربما لأنه كان مخمورا، وكان علي أن أقابله بمزيد من التحفظ، ولكني في النهاية وجدت نفسي أقبل دعوته، على فنجان قهوة
في دقائق نجح حسين البلتاجي في أن يحطم الصورة الذهنية الدارجة عن الديماطي البخيل، تكلم بسخاء، وعبر عن مشاعره بكرم غير مسبوق، وكنت حريصا على أن أوجه مسار الكلام ليصبح عنه.
بقدر قليل من الخبث، في الحقيقة أردت أن أعرف شيئا عنه، خجلت من نفسي، شخص يتكلم معى بكل هذه الحميمية ولا يقدم نفسه لي كدأب الأدباء، وأظل جاهلا به، وعاجزا عن مجاراته في الكلام.
كان غاضبا فحسب.. غاضبا من كل شيء تقريبا، ويدخن كثيرا، ويشرب القهوة بعد الأخرى.
أظن القهوة نبهته إلى حيرتي وخجلي من نفسي، فاستجاب أخيرا ليكلمنى عن نفسه، لكن هذا لم يدم إلا دقائق معدودة، إذ دخل في نوبة من البكاء، ولم أجد بدا من أن أقوم، احتضنه وأقبل رأسه، فزاد نشيجه.
وهكذا عبر عن نفسه بسخاء مفرط، فوقعت في غرامه من أول لقاء.
فكرت أنه كائن شفاف، كل مشاعره على سطح المكتب، لا شيء مختبئ أو مخفي.
لكن عندما قرأت له، أدركت أن ما في قصصه من المشاعر، أضعاف ما يمشي به في الشوارع، ويجالس الناس به على المقاهي.
إنه كائن، جعل الكتابة، بديلا لذاته، لكنها لم تعطه بمثل ما أعطاها من حب. ربما لهذا كان كثير الغضب حتى العنف، ومفرط العاطفة، حد البكاء.





* منقول عن:
- صدى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى