جعفر الديري - الأستاذ عبدالله السيد نموذج للمدرس القدير

كانت وفاته مفاجئة ومحزنة للجميع! الرجل الذي أحبه تلاميذه وزملاؤه المدرسون في المدرسة الابتدائية على حد سواء، سقط ميتاً، فخلف في قلوب من عرفه حزناً شديداً.
كنا على مقاعد الدراسة الابتدائية، حين سمعنا بانتقال مدرس مادة اللغة الإنجليزية الأستاذ عبدالله السيد إلى الرفيق الأعلى، بشكل مفاجئ. ذهب المدرس العزيز على الجميع إلى بارئه، بعد أن أدى أمانة التعليم باجتهاد عز نظيره، وبعد أن ترك في قلوب أهالي القرية إكباراً خالداً لشخصه وتواضعه الجم وإنسانيته الرائعة.
في الفصل الدراسي كان السيد عبدالله، يلحظ جميع التلاميذ، يسأل فلاناً وفلاناً، وإذا أحس أن أحداً ليس مستوعباً للدرس تماماً؛ أعاد الشرح مرة ثانية وثالثة ورابعة.
كان رحمه الله صاحب نكتة وكلمات لطاف. كان يحكي النكتة بأسلوبه الخاص به، وكنا نضحك سعداء بها، وبالمدرس الذي تشمل حصصه المعلومة والكلمة الصادقة والنكتة الخفيفة. وكان من القلة الذين نشتاق حصصهم، رغم أنه كان يدرس مادة اللغة الإنجليزية!. ومازال التلاميذ من جيلي يتذكرون السيد عبدالله رحمه الله، مدينين له بالفضل في إتقانهم اللغة العربية. لقد وضع الأساس لهم، وكان بناء صلباً، استطاعوا أن يشيدوا عليه معرفتهم باللغة الإنجليزية.
عبدالله السيد كان إنساناً كبيراً ومدرساً شديد الاعتزاز بمهنة التعليم، وكان دائم الانتقاد لمستوى مقرر اللغة الإنجليزية لطلبة الابتدائي. كان يطمح لمنهج قادر على إشباع فضول التلاميذ، ينتهز أية فرصة لإضافة ما يراه مناسباً. كان يشجعنا على العمل، بأسلوب لا يمكن نسيانه.
أتذكر أني قدمت له وسيلة تعليمية اجتهدت فيها، بخط إنجليزي، وكم كانت سعادتي عظيمة عندما وجدته يثني على الخط، هازاً رأسه باهتمام، كان في غاية اللطف، فحتى الساعة لا أزال أتذكر هذه النظرة الأبوية الحانية. في موقف آخر، كنت كأي تلميذ أجلس قرب ملعب كرة القدم، غير أن الشمس كانت حامية يومها، ووجدت النافذة المقابلة تنفتح، ويطل منها أستاذ عبدالله السيد بوجهه الطيب، ويأمرني بالتحول عن المكان، خوفاً من ضربة الشمس.
يقول المدرس المتقاعد حسن الوردي لـ«الوطن»، في معرض حديثه عن ذكرياته مع الأستاذ عبدالله السيد، «عرفنا الأستاذ عبدالله السيد قبل أن يكون زميلاً لنا في مهنة التدريس شاباً خلوقاً من أبناء منطقتنا الدير، يغلب عليه طابع التدين والالتزام بالخلق القويم، ثم تعززت علاقاتنا به بعد أن أصبح زميلاً لنا في مدرسة سماهيج، حيث كان مدرساً لمادة اللغة الإنجليزية.
كان رحمه الله محبوباً لدى طلابه لما يتمتع به من إيجابية معززة لهم في البحث والدراسة، كما كان متعاوناً أشد التعاون مع زملائه المدرسين، ومن سجاياه المحببة لين العريكة وبشاشة الوجه والتسامح. كان يحترم جميع طلابه ويقدر الفروق الفردية بينهم. عرف عنه العطف الشديد خصوصاً بالصغار منهم، ولذلك بادلوه حباً بحب.
بعد انتقاله إلى مدرسة الدير الابتدائية للبنين في سنة افتتاحها العام 1979، كان التواصل معه مستمراً لأنه كان معلماً مباشراً لأولادي، وكثيراً ما يدور الحديث في المنزل بين الأولاد عن الأستاذ عبدالله فيما قاله لهم من دروس وقصص تربوية كانت في الواقع محفزة لهم على الدراسة والمتابعة. وهذا التعلق بالأستاذ وذكره بإيجابية بين طلابه هو بلاشك دليل على نجاح المعلم في مهنته.. رحمك الله يا أستاذ عبدالله السيد وأدخلك الفسيح من جناته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى