عبد الجبار الحمدي - المنفى.. قصة قصيرة

بين الكثير من المخلفات يأخذ الجانب الأكثر وِسخة، كونه تعود أن يتلوث بقاذورات من نفوه حتى يشعر بنظافة نفيه، تلك حقبة مضت متى ما جلس أمام تل من النفايات يعلوه بأمتار، يضحك والى جانبه ذلك الرجل الآخر الذي تقلد وسام الوساخة جسما ولسانا، فسأله بلطمة على قفاه لِمَ تضحك؟ ألا يعجبك منفاي هذا!؟ أولست من طلبت أن تكون أحد المختفين بقاذوراته ممن أماطوا اللثام عن أوساخ إبتلعتها حتى أتخمت بها؟ ربما أردت إفراغها لكنهم لم يسمحوا لك، فتلك ملفات فساد كنت أحد سطورها المعوجة التي فغر الشيطان فمه حين علم أنك ومن معك قد أتقنتوا فن الأبالسة عندما بعتموه بأحد تلك الصفقات المنتنة..

لا أبدا فاركا قفاه... عذرا لم أقصد، إنما أضحكني الكم الهائل من النفايات والقاذورات التي نرمي بها دون أن نعي إنها ستعود علينا برائحتها المنتة في وقت ما، فالقدر كفيل بأن يترك بعض الاحيان الحبل على الغارب ليوغل بصاحبة حتى يدفع به الى خنق نفسه، أنظر الى هذا التل الذي كنت في يوم ما فوقه معزز مهاب، ناسيا او متناسيا الكم الهائل من النفاق، الرياء، إزدراء الآخرين الذي مارسته وضعاف النفوس... لا بل الإنتهازيون سماسرة الفجور والفساد... مقاييس عمياء بمعايير مخادعة كنت أحسبها فترة ما وتنتهي، لكنها أصبحت دستورا بمواد وفقرات، الفقرة الأولى من الفساد أن تبيع شرفك ومن ثم وطنك، أما ضميرك فأوئده حين تتصوف عندما تعتمر المسمى الذي تنضوي تحت عبائته سياسيا كان ام ولاء أو صفقة، لا ضير ان تعمل على الإثنين أو الثلاث، فالراقصة تهز وسطها على أي نغمة تجذب إنتباه مرتادي حانات الثبور والضياع، قد نتلمسه باب يُدخل الملايين وفي نفس الوقت يسلب الرمق الأخير عند الكثير من البشر، لا أدري كيف فكرت بهم!؟ أو تَطًرق ضميري المندس تحت كتلة أو حزب أو عباءة الولاء ان يخرج عن طاعته، يمزق ورقة التوت عن النفاق، يضرب عرض الحائط برأس دستور منافق لا يعمل إلا على المنافقين فقط، كنت قد حاججته ذات مرة في مسألة عامة، فوجدت حمايته يقصف به وبي بهالة من حجارات سجيل كأني إبرهة الأشرم الذي أراد هدم قبتهم التي يحتمون تحتها بشرعية الإسلام، فأوعز الى جيش من الاراذل ان يسوموني سوء العذاب، أن يعيدوني الى صوابي الذي فقدت بكيفية أنت أعلم بها، كنت بالنسبة لهم المخرج المبرر والمسوغ لكل النهب والسرقات بثغور استحداث تبريرات، جاؤوا بربهم الأعلى عِجلَهم الذي يسجدون حيث علقوني وهم يتلامزون بينهم، إنه العار الذي نخجل ان يكون بيننا، إنه الفساد الذي سرق ثروات الفقراء، الوطن، الشعب، إنه جرذ الطاعون الذي يجب حرقه ودفنه كما يوعز الدين...

فزعت من أقوالهم.. نواياهم فصرخت... مهلا! .. مهلا! حان لكم أن تتجاسروا يا حثالات المنبع، تف لكم ولكل ما تعبدون، تتجرؤون على نية قتلي وقد أصبحتم رجالا بعدما كنت ديوثي الأصل والمسمى، الى الجحيم ومناصبكم، تلك التي صنعت لكم منها تيجانا من جوع الفقراء، من دماء الشهداء، من ارامل الأموات واليتامى، سولت لكم أنفسكم بأنكم في مأمن عن العدالة، خابت أمالكم، أكاذيبكم التي تمنون بها أنفسكم، لقد أحكمت عليكم القيد فما لكم من فكاك مني، إن عالمكم هذا قد تلوثت به برغبتي، أمتعت نفسي الحقيرة ملذاتي حد الأستمناء بايديكم، شاركتكم الجريمة نعم.... غير أن وخز ضمير وهو على سرير الموت يوصيني بنفسي... نفسي فقط تلك التي لو طهرتها ألف عام في بحر الظلمات لن تنظف، لكني وجدت لها ما يجعلها حقيرة غير نظيفة, لذا أخيركم بين نفيي حيث استحق ام فضح نتانتكم وعالم الحيض الذي تعيشون فيه وعليه... تبوبت أختياراتهم فأخترت لنفسي....

مهلا أيها المنفي... ما أظنك بعيدا عن حالهم، فأنت أراك اسوء من المرتد عن دينه وأقذر من خنزير يلغ عورة من ولدته دون خجل أو حياء، لا أعتقد أن نفيك يقيك ما أنت آمل إليه، فهاك حالي، لا أكاد أفرق عنك قيد أنملة جئت يحدوني المال باب من ابواب الجنة، تمرغت بمخاطه حتى إلتصق بي الذباب المتطاير والساكن، كدت لا أميز نفسي عن أي ماسك كيس على باب داعرة، همه أن يدخل العدد الأكبر ممن يلوطون دُبر النواميس دون هوادة، حتى تنجب لهم ديوثين جدد، لا تجعل أساريرك تنفرج، تظن انك بمنأى عن جريرة ما يحصل هناك في عالمك الذي تركت، كلنا موسومون بختم الزناة بمرسوم جمهوري أو ملكي، يا هذا إننا مذ خلقنا سُمينا بالنواعق، ننعق في كل أطلال نوجدها، نحب الخراب والوجع، نموت على الفجور حيث يكون، نبكي أهل البؤس الذين صنعنا لننال مجد الرب، إننا في منفانا هذا حشرات العوالق او البراغيث افضل من حالنا، فبإسم مخلوق بشري استبحنا أن نحيي ونميت، نوجد عرش الأنا نخلق الرذائل، نوجد الموت حياة، نهلك الحق بمقصلة الباطل... يا لغرابتي!!! تراك أثرت ما لا أشتهي ذِكرهُ ولا أتجرع طعمه، عليكم اللعنة حفاة الأمس، اللعنة على الخنازير التي أنجبتكم، اللعنة علينا حيث منفانا... فأخرس لسانك.



القاص والكاتب/ عبد الجبار الحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى