الفرحان بوعزة - الحب يركض في المقهى

..عضت على شفتها السفلى ، من كثرة البلل انتشر أحمـر الشفاه بين أسنانها ، أخرجت منديلا من الورق ، مسحته بلطف ، رسمت مسافة بين عينيها وبين الورق المغمس في مزيج بلل أحمر .. بقوة لملمته ودسته في المطفأة ..
أخذت رشفة من الكأس ، تأملت حافته ، ابتسمت .. بدأت تبحث في محفظتها اليدوية عـن هاتـفها المحمول وهي تردد في نفسها : ماذا به ..؟ لم يأت في الموعد .. إنها الخامسة مساء ..
رفعت رأسها فوجدت شخصاً واقفا أمامها : كأنه انبعث من فراغ ، يقــرأ حـركاتها .. عصـر فمه في تكلف ، مرر ابتسامة خاطفة على شفتيه .. حدق في وجهها ، أطال النظر .. أصابها دوار الماضي فأيقظ ذاكرتها .. تراءى لها كشبح ، كطيف يبث الرعب بين الجدران .. وضعت سبابتها على خدها ثم نظرت إلى عينيه وقالت :
ـــ من أنت ؟
ـــ أنا من يسكن قلبك ،هيا نلحق الأيام .. لا زال الزمن لم يباعد بيننا .. هوة صغيرة يمكن ردمها بحياة أفضل ..
ـــ عن أي أيام تتكلم .. ؟
ـــ أنسيت .. تذكري ..
ـــ ما أنت إلا رجل يهرب من صهد الزمان ، يغـــير أوراق حبه بين يوم وآخر ، ابتعد عني .. واترك الهواء يتجدد بين الكراسي .. لقد استنشقت هواء نقياً من بعدك ، أعطاني الزمن هدية حب يجلجل صداه في صدري ،هذا مزاجي فلا تعكره بما فاض عنك من كذب جديد ....
ـــ لك مساحة في قلبي ، وددت أن تسكني في شق المحبة .. منذ مدة وأنا أرتب حبي على حرارة قلبك ..
ـــ فضلت شق الكراهية ، نسيتك .. وجعلت من النسيان حـــرية للمستقبل ، لا زلت أحمل اسماً واحداً .. وقلباً لا يتغير .. رميتني وتركتني أطحن الفراغ ، بعدما سددت الحب لغيري .. والآن ، جئت تلقي همومك على شط حياتي ..
ـــ هيا .. قومي .. ذاك ..؟ إنه لا يستحقك .. أنا من بدأت معك ، وأرغب أن نكتب قصة حبنا بين أحياء المدينة ..
قامت ، حدقت كثيراً في وجهه ، شـربت عـــرق اللحظة ، اقتربت منه حتى كاد وجهها يلامس جبهته .. ابتعدت ، استجمعت قوتها ، صفعته بمجمع يدها .. ارتجت الكراسي بما عليها من خلائق بشرية .. قـفـزت صرخة من جوفها فارتطمت بجدران المقهى ، تدلى رأسه على صدره والصمت ينهش ملابسه ويداري جرأته ..
تطاول الناس بأعناقهم ، شخصوا بأبصارهم ، جـرت وشوشة قصيرة بين الشفاه .. اقتربت منه ، اقترب منها ، تعانقا ونحيبهما يصدح بين الأحضان .. خرجا يتهاديان ، وبقي الكل يتلوى تحت وقع نميمة طــرية ..


الفرحان بوعزة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى