سعيد بوخليط - حدود القراءة والكتابة والصمت

من الصعوبة بمكان، ادعاء تحقيق نجاح مثالي، بخصوص إرساء حدود فاصلة، بين ثالوث الخلق الأنطولوجي : القراءة، الكتابة، والصمت.القراءة أفق مفترض للكتابة. الكتابة، تفعيل ثان للقراءة. الصمت، تناظر ندّي، على جميع الواجهات بين القراءة والكتابة. بل، يظل مصدر الحياة الرابط بينهما. القراءة، صمت. الكتابة، صمت. والصمت، قراءة وكتابة بالقوة والإمكان والافتراض، على الوجه الاحتمال، ثم في الغالب الأعم.

ترتيبيا، ومن الناحية الوجودية، غالبا ما تُمنح القراءة موقع السبق والريادة، تحظى بالأولوية، فيقال بأن القراءة ورش أولي، مطلق للكتابة، بحيث يستحيل بالنسبة لأي شخص، أن يصبح كاتبا دون تجربة حالمة مع القراءة وبالقراءة، التي تبدأ اكتشافا نوعيا، ثم تنتهي إلى عشق فريد من نوعه،غير مسبوق زمانا أو مكانا.لذا، لايمكنك احتراف الكتابة، دون أن تُخلق ثانية، عبر المرور من رحم القراءة. مسألة، تفرز حتما، المتواليات التالية :

*قد تكون قارئا، نهما، شغوفا وجادا، غير أن موهبة الكتابة تبقى حقيقتها عصية عن الكشف والإمساك والبث والذيوع. فالقراءة، رافد ضمن سياقات أخرى، تحتاج باستمرار إلى سبر أغوارها واستبطان حيثياتها.

*القراءة متعة، بمفهومها الروحي والمادي،حرة، منطلقة العنان، غير آبهة سوى بانتشائها الذاتي. أما الكتابة، فهي أيضا متعة حقا، لكنها رهينة التزامات أخرى غيرية، تتجاوزها بالضرورة.

* القارئ كاتب مفترض وبالإمكان، لما يقرأه، لاسيما العاشق المنتبه، اليقظ قلبا وقالبا، أو القارئ/المؤلِّف، كما سمته أدبيات النقد الحديث. معناه، يتورط منذ البداية، في مهمة التقاسم تلك، مادام النص ساحة تمرس هائلة على أخلاقيات الديمقراطية والتعايش مع الآخر. بالتالي، فالتأويلات غير منتهية، مولودة كل حين، قدر خصوبة القراءات.

* كيف يتحدد لدى الكاتب، زمن القراءة ثم الكتابة؟ وما السبيل إلى نجاحه الناجع والذكي، في التوفيق بينهما، حتى لا تضمحل عنده حاجة الكتابة، نتيجة الاستئناس السلبي بسلوى القراءة ''المحايدة''. كذلك، وتجنبا لسقوطه في مهاوي العقم والتكرار والاجترار والابتذال والإسفاف والضحالة، يلزمه الاستعانة خلال ذات الآن، على عناء الكتابة بصمت القراءة، ثم يستشرف مشروع ماسيكتبه، إبان لحظة القراءة.

حقيقة، يصعب في كثير من الأحيان، لاسيما قياسا إلى منظومات سوسيو-ثقافية وتربوية كابحة، عاطلة ومعطِّلة، الوقوف على وصفة ناجعة تنظم الوقفات الزمانية للقراءة والكتابة، وأظنه وضع كابده حتى عظماء الكتاب والأدباء، غربا وشرقا،إلا إذا ربط مصيره حديديا بنظام يومي، عسكري صارم، بدءا من أولى خيوط الفجر، غاية الليل، متساميا،مترفعا بقدرات صوفية فوق إنسانية، عن شتى الصغائر والإغراءات العابرة التي يطرحها مجرى اليومي أمامه.

إذن، النجاح من عدمه، في القبض على تفاصيل الإيقاع، ومستويات النَّفَس الذي ينبغي تخصيصه للكتابة وتهذيبه بمعية القراءة، انتهى دائما إلى النتيجتين التاليتين :

* كم كاتبا، انتهى وجوديا قبل أن يبدأ!

*كم كاتبا، حبذا لو استمر قارئا، دون المجازفة بالتحول إلى سلطة الكتابة، نتيجة محقه العقول، بتعنيفه الرمزي للجميع! .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى