وساط جيلالي - البيت الأحمر فوق الربوة.. قصة قصيرة

كانت الربوة تبعد عن حيّنا مسافةً تتجاوز الكيلومترين، لكن كان بإمكاننا رؤية البيت الذي يقع فوقها، والسّور القصير المحيط به، والشجرة التي بجانبه.
كان البيت مطليا باللون الأحمر، وكانت تَقْطُنُه امرأة عجوز ولم نكن نراها إِلاّ نادراً، حين تمر بجانب حينا متجهة إلى مركز المدينة، وحين تؤوب عائدة إلى بيتها.
رغم سنّها المتقدم كانت تبدو قوية، قامتها مُنتصبة، لون شعرها خليط من الأبيض والرمادي، ترتدي دائما معطفا أسودا طويلا فتبدو كراهبة، وكانت لا تلتفت لا يمينا ولا يساراً ولا تكلم أحداً، نظرتها حادّة وقاسية، ورغم التّجاعيد كانت تبدو عليها مسحة من آثار جمال غابر.
وفي يوم أحد مُشرق وجميل، كنت أتسكع على غير هدى، حين وجدت نفسي أصعد الربوة وأقف بجانب السّور الذي يُحيط بالمنزل الأحمر٠
وأنا واقف هكذا، سمعت صوتا يصيح بي:
ـ هل تلعب معي؟
كان الصوت آتياً من جانب الشجرة، وحين التفتت إلى مصدره رَأيت طفلة في مثل سِنّي، كانت جميلة جِدّاً ، وكانت ضفائرها الذهبية مُنسدلة على كتفيها وعيناها الزرقاوان تنظران إلي ببراءة الملائكة٠
تسلقت السّور القصير ثم هبطت واتجهت نحوها، مدّت يدها وأمسكت بيدي، وكانت يدها نحيلة ورطبة وباردة، وبدأنا نلهو ونجري وندور مرّة حول الشجرة ومرة حول الدّار ، وكنت في غاية النشوة والسّعادة، وفجأة توقفت وقالت لي:
ـ يجب أن أعود إلى المنزل، جدّتي ستعود بعد قليل وهي لا تسمح لي بالخروج٠
ثم دخلت وأغلقت الباب٠
وعُدْت مرّات و مرّات، ووقفت بجانب السّور وانتظرت لساعات لِكنّي لم أرها مرة ثانية
واستبدّ بي الشوق إليها، وملأت عقلي وخيالي، ومرة حكيت لأمي ما وقع، فنظرت إلي مُستغربة وقالت :
ـ هل عُدْت إلى خيالاتك الغريبة، إنّ العجوز تعيش وحيدة منذ زمان
لكني كنت قد رأيتها، ضفائرها الشقراء وعيناها ويدها الرقيقة وعدونا مرة حول الشجرة ومرّة حول البيت .


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى