عبد الكريم العامري - رجل الأسئلة (مسرحية)

الشخوص:
1- الرجل
2- المرأة


في مفترق طرق يقف الرجل حائرا لا يعرف الى اين يتجه..
الرجل: هو ذا مفترق الطرق، هذا الطريق الذي قادني الى هنا (يشير الى جهة ما) وهذا يؤدي الى الشمال (يشير الى جهة اخرى) وذاك يقودني الى أين..؟ ياااه، ربما نسيت الاتجاهات .. نعم ، اذا كان هذا الطريق هو الجنوبي وهذا هو الطريق الشمالي فأي اتجاه هذا..؟ غربي أم شرقي..؟ (يلتفت يمينا وشمالا وهو ما زال حائرا) يبدو أني تيهت الاتجاهات.. انا في متاهة.. لا اعرف كم من الوقت مضى.. كانت معي حقيبة بداخلها خريطة لكنها الآن ليست معي.. اين ذهبت..؟ من اخذها مني..؟ لم التق احدا مذ خرجت من المدينة.. الناس يفرون من الطرق الأخرى أما انا فاخترت هذه الطريق الطويلة.. (مبتسما بسخرية) أحب الطرق الطويلة التي لا يمضي فيها احد.. لا أريد احدا معي.. ربما ينتهك خصوصياتي.. يكفي ما لقيته في تلك المدينة التي كانت ذات يوم ملاذا لي فأضحت جحيما!
(يجلس على صخرة في الطريق) لستريح بعض الوقت ثم اواصل مسيري.. احتاج لبعض الوقت لتدارك أفكاري.. لاأعرف متى أصل لكني حتما سأصل.. دائما تكون البدايات صعبة لكنها سرعان ما تنتهي..
(صوت امرأة من الخارج)
المرأة: يا الله.. أكاد ان لا اشعر بقدمي.. متى تنتهي هذه الرحلة القاسية..
الرجل: (ينظر حيث الصوت ..ينهض ويحدق بالطريق)
المرأة: (تصل وقد حملت كيسا على ظهرها.. تنظر الى الرجل وتناديه) أنت.. ايها الرجل.. تعال وخذ مني هذا الكيس الذي كسر ظهري..
الرجل: (ببرود شديد) بامكانك افلاته..
المرأة: يداي مقيدتان بالكيس ..كيف سافلته..؟
الرجل: ومن قيّد يديك..؟
المرأة: لا يهم من قيّدها.. عليك بفك قيدي..
الرجل: وما يدريني ما تخبئين ..فررت من المشاكل ولا أريد ان اضع نفسي في مشكلة اخرى..
المراة: وما المشكلة في هذا..؟
الرجل: (يحدق بها ويتأملها )
المرأة: ما الذي تنظر له.. قلت لك فك قيدي..
الرجل: من اين اتيتِ..؟
المراة: لا تسألني مالا تعرفه.. قلت لك فك قيدي
الرجل: (ما زال محدقا في وجهها) هل اعرفك من قبل ؟
المرأة: تعرف الجهة التي جئت منها.. هو ذا مفترق الطرق وكل طريق معروفة الى اين تتجه..
الرجل: فقدت الخريطة..
المراة: لا تحتاج الى خريطة..
الرجل: وانت.. هل تعرفين الاتجاهات..
المراة: هذا أمر لا يهمني لا أحتاج لمعرفة الاتجاهات..
الرجل: وما الذي يهمك..
المراة: أن تفتح قيدي ..أنه يؤلمني (تصطنع البكاء والألم) هيا..هيا يا رجل لا تكثر الاسئلة التي تعرف اجاباتها..
الرجل: لو أعرف ما سألت..
المراة: ها قد عدت لثرثرتك.. أنا اتألم وانت تسأل..
الرجل: وانا احتاج الى الراحة..
المرأة: تريح نفسك وتترك غيرك..
الرجل: لا يهمني غيري..
المرأة: يا لك من اناني وفاقد للمشاعر.. تناديك امراة ولا تحرك ساكنا..
الرجل: كلامك هذا يثير غضبي..
المرأة: اغضب كما تشاء فقد عرفت مع من اتحدث..
الرجل: تعرفينني..؟ حقا تعرفينني..؟
المرأة: خبرتي بالرجال تجعلني أعرف مع كل من اتحدث معه..
الرجل: وانا مع من اتحدث..؟
المراة: خير لك أن تفتح قيدي
الرجل: ما الذي تخبئينه في هذا الكيس..؟
المراة: (بخبث) لا أعتقد أنك ستصدقني لو قلت لك لا اعرف ما الذي فيه..
الرجل: يا لك من امرأة غريبة.. تحملين كيسا لا تعرفين ما فيه..
المرأة: كل انسان يحمل شيئا لا يعرفه..
الرجل: (بتحد) الا أنا.. ما من شيء يمر الا واعرفه..
المرأة: واهم أنت ايها الرجل..
الرجل: أنا.. أنا واهم..؟
المرأة: ومغرور أيضا..
الرجل: تنعتينني بالوهم والغرور وانت تستنجدين بي ..
المراة: المروءة ان تقدم يدا للمساعدة دون أن تأخذ شيئا..
الرجل: لم اطلب شيئا..
المرأة: كل هذا الذي طلبت ولم تطلب شيئا.. ما الذي تريد ان تطلبه ايضا..
الرجل: اريد أن تتركيني وشأني..فررت لأجد الطمأنينة فاوقعني قدري بين يديك..
المراة: هو ذا قدرك الذي تحمله دون أن تعرفه.. هل تأكدت كم أنت واهم يا رجل..؟
الرجل: (يصمت)
المراة: والآن..تعال فك قيدي لاساعدك في فك قيودك..
الرجل: (باندهاش شديد ينظر لها وهو لا يعرف ما الذي يفعله)
المراة: القيود المخبوءة في الصدر اقسى من هذا القيد الذي يشدّ يديّ..
الرجل: (ما زال بدهشته) من انت بحق السماء؟!
المرأة: لن تستريح قبل ان تخلصني من هذا القيد..
الرجل: (يكرروبقوة) من انت بحق السماء..؟!
المراة: خلّصني لتستريح..
الرجل: أيّ قدرٍ هذا..؟ أيّ بلاء!
المراة: يباغتك البلاء حين تقف مكتوف اليد بلا بصيرة..تظن أن النجاة في الهروب وما تعرف ان الهروب هو شر البلاء..
الرجل: البحث عن مكان يمنحني الطمانينة ينجينني من كل بلاء..
المرأة: الأمكنة لا تمنح النفس الطمانينة حتى وان كانت هادئة فهدوء المكان لا يعني هدوء النفس..
الرجل: ما الذي اسمعه.. أنت تحاولين تغيير قناعاتي..
المرأة: عن أيّ قناعات تتحدث وأنت الفار من نفسك..
الرجل: فررت منهم وليس من نفسي..
المراة: لو كنت قويا لما فررت..
الرجل: القوة وحدها لا تفعل شيئا امام قوة المال والسلطة..
المراة: (ضاحكة بسخرية) لم تفهمني..
الرجل: (يصمت قليلا) من انت..؟
المراة: ها قد عدت لسؤالك البليد.. ما الذي يهمك لو قلت لك من انا.. (تصمت قليلا) أنا ايها الرجل الفار امرأة..
الرجل: أي نوع من النساء انت..؟
المراة: لو اجبتك لن تتوقف عن اسئلتك.. اسمع ايها الرجل تلك الاسئلة التي تدور في راسك هي واحدة من قيودك متى تتحرر منها ربما ستجد طريقك.. أنت الآن تدور في فلك الاسئلة، سؤال يحيلك الى سؤال..غشاوة الاسئلة تمنعك من أن تجد الاجابات ..حاول ان تتخلص منها لتجد مفاتيح الطمانينة التي تبحث عنها..
الرجل: (مستسلما يجلس على الصخرة) صدري يضيق.. اشعر ان السماء تنطبق عليّ.. الشمش تذوي.. كل ما حولي يسير عكس ما اريد.. لا اشعر بالزمن.. لا الطريق اوصلتني الى ما ابغي ولا قدماي تعينانني على الوصول (ينظر الى المرأة) ما الذي جاء بك.. وما الذي تريدينه مني..؟
المرأة: بدأت تهذي، عليك ان تحرك عقلك ..تفكر قليلا..فالهذيان لا يوصلك الى اي نتيجة..
الرجل: وجودك هنا يقلقني..ان كنت عابرة طريق ارحلي..
المراة: ليس من شأنك أن تجبرني على ذلك.. ان كان وجودي يقلقك فغادر أنت ان استطعت..
الرجل: انا حر فيما افعل.. من قال لك لا استطيع ..ما زلت قويا وقادرا على الاستمرار..
المرأة: (مؤكدة وبتحد) ان استطعت..
الرجل: (يقابلها بالتحدي) استطيع واستطيع واستطيع..!
المرأة: (تضحك) افعلها ان استطعت..
الرجل: تستهزئين بي..؟
المراة: ان توقف العقل فلا مجال للتأمل.. امامك طريق طويلة كيف يمكنك المضي بساقين مشلولتين..
الرجل: (بدهشة كبيرة) ساقاي قويتان.. انظري.. (يحاول ان يحرك ساقيه لكنه لم يستطع).. ما هذا..؟ (ينظر الى المرأة) ما الذي فعلتيه بي..؟
المرأة: أنا أمامك لم أفعل شيئا..
الرجل: يا لك من ساحرة شريرة..!
المرأة: ها انت ذا تعيش بوهمك..
الرجل: ما الذي جرى لساقيّ..؟
المرأة: ليس لديك الا الاسئلة..
الرجل: وما الذي تريدينني ان اقوله..
المرأة: سؤال يعقبه سؤال.. ايها الرجل السؤال..أنت مبتل بالبحث والسؤال..
الرجل: يا لحظي النحس !
المراة: وتندب حظك..
الرجل: حظي الذي اوقعني بك..
المرأة: يا لعقلك الجامد..الساكن.. ملأته بالاسئلة ولا يسع القيام بأيّ شيء..
الرجل: عقلي ليس ساكنا.. أنا افكر..
المراة: واضح جدا (بسخرية) فكرت بالفرار.. وفكرت بالعيش وحدك وفكرت بالبحث عن الطمأنينة .. هذا كل ما لديك..
الرجل: ليس لدي غير هذا..
المراة: ان تهرب بجلدك وتترك الآخرين يتضورون ألما..
الرجل: هم سبب هروبي..
المرأة: لكنك لم تفكر لحظة بسبب واحد يدفعك للبقاء..
الرجل: لا يوجد سبب لبقائي..
المراة: وربما لهروبك ايضا..
الرجل: اعيدي لي ساقيّ لأواصل طريقي.. اعيديها بسحرك وألاعيبك..
المراة: لسانك صلف..
الرجل: ايّاك أن تشليه ايضا..
المرأة: لست انا.. ما بك ايها الرجل.. شكوكك في كل ما حولك تجعلك ابلها.. انهض ان استطعت..
الرجل: (يحاول ان يتحرك لكنه لم يبستطع)
المرأة: (تدور حوله وتراقبه)
الرجل: لن استطع تحريكها.. ما هذا ، كأنها قد شدت الى الأرض.. شيء ما يمسك بي..
المرأة: (تتوقف عن الدوران حوله وتقف أمامه) الآن علينا أن نتفق..
الرجل: أيّ اتفاق تريدين؟
المرأة: لا تسألني قبل ان اكمل حديثي ..
الرجل: (مستسلما) اكملي..اكملي وانا موافق على اي اتفاق..
المرأة: ايّاك ان توافق على شيء لا تعرفه..
الرجل: شرط ان تعيدي لي ساقيّ..
المرأة: لست في وضع يسمح لك بوضع الشروط..
الرجل: احترت بأمرك.. أي شيء يرضيك لفعله.. حسنا.. سأفك قيدك وأحرر يديك هذا ما طلبتيه مني..
المراة: كان ذاك شوطنا الأول وانتهى..أما الآن فالأمر اختلف..
الرجل: وما الذي اختلف.. ما زال القيد بيديك..
المرأة: ليس قيدا..
الرجل: (باستغراب شديد) ولكن....
المرأة: كنت اختبرك..
الرجل: ومن أنت كي تختبرينني..
المراة: ليتك تتوقف عن اسئلتك..
الرجل: أنت ليست حقيقة..
المرأة: وهل هناك اكثر حقيقة مني..
الرجل: حسنا..حسنا.. ما هو اتفاقك..
المراة: أن تستعيد كل ما في هذا الكيس ولا تبقي فيه شيئا..
الرجل: (صامتا يفكر وهو حائر)
المراة: الآن بدات تفكر..
الرجل: لكني لا اعرف ما الذي تخبئينه في هذا الكيس..
المرأة: ليس مهما ان تعرف.. المهم ان تقتنع بما تقوم به..
الرجل: اقتنع فيما لا اعرفه.. كيف لي ان افعل..
المرأة: ستفعل.. ان كنت ترغب في ان تستعيد حياتك..
الرجل: (مستسلما) حسنا، موافق !
المراة: عليك اولا أن تضع راسك في الكيس ، تغمض عينيك وتنتظر..
الرجل: انتظر ماذا..؟
المراة: تنتظر اللحظة التي يبدا فيها العد التنازلي ..
الرجل: (ضاحكا) عدّ تنازلي..؟ من سيعد لي.. أنت؟
المراة: لست انا.. الكيس سيعدّ..
الرجل: (مستغربا) الكيس يعدّ.. أي نوع من الأكياس هذا..؟
المراة: لا تستغرب.. كل امرىء حياته محشورة في كيس كهذا.. ما مذى وما انقضى .. لا تظن أن ما فات ولّى.. كل خطوط حياتك يا رجل الاسئلة تجدها هنا مسجلة لحظة بلحظة.. ان نسيتها انت فهذا لن ينساها ابدا.. (تصمت قليلا وسط اندهاش الرجل) على المرء أن يعرف طريقه اولا قبل ان يسلكها.. لا تستغرب يا رجل الاسئلة أعرف أن اسئلة كثيرة تدور في راسك منذ ان بدات ترسم لنفسك خطا مليئا بالاسئلة.. لا تستغرب، فالكيس الذي تراه أنت يراه الآخرون غير ذلك.. فكل امرئ مجبول على أن ينظر الى كيسه.. وكيسك أنت هذا.. كنت احاول ان اقنع نفسي انك تعرفني لكنك خيبت ظني وها أنت ذا مجبر على ان تبدأ برحلتك البدية..
الرجل: (مستغربا) اكاد ان لا اصدق..
المراة: عليك ان تصدق..
الرجل: (ينظر لها وكأنه يراها لأول مرة) قرين مخادع..!
المراة: قد خدعت نفسك من قبل يوم ظننت أن الفرار سينجيك من ختفك..
الرجل: (بذهول) حتفي..؟!
المراة: وهنل هناك غيره..؟
الرجل: تريدين قتلي..ظ
المراة: وكيف يموت المرء مرتين..!
الرجل: (يتحسس جسده) هل انا ميت...؟
المرأة: يرافقك السؤال دائما..
الرجل: اجيبيني.. ما الذي جرى لي.. أنا لا اتذكر شيئا.. ما الذي جرى.. انت تزيدين قلقي..
المرأة: لم يعد هناك قلق.. ضع راسك في الكيس وستجد كل الاجابات عن اسئلتك التافهة.. وستعرف ان ما مضى قد مضى وان الذي حاولت اللحاق به لم تعد قادرا على الوصول اليه..
الرجل: (ما زال يتحسس جسده) لم امت.. أنا حي.. لم امت.. ما زلت حيا.. ها آنذا اتنفس.. واتحسس جسدي.. انت تضعيني في دائرة الوهم.. تحاولين ايهامي لتحصلي على ما تريدين.. اغربي عن وجهي ايتها الساحرة.. ابحثي عن غيري واغبثي به.. يكفي ما عشته من الم وحسرة وانتظار.. دعيني اواصل طريقي .. لا بد ان اصل.. لم يبق الا القليل كي اصل..
المراة: وصلت الى مفترق الطرق.. هوذا نهاية طريقك.. تأكد ايها الرجل ان طريقك انتهى.. عقارب زمنك توقفت.. وحياتك ..
الرجل: (مقاطعا) لا شأن لك بحياتي.. أنا حر فيما افعل..
المراة: الآن لم تعد حرا.. كل ما لديك تركته في هذا الكيس .. هو ذا كيسك سيحملك ويمضي حيث لا عودة.. (تقدم له الكيس) خذخ.. فبدونه لا يمكنك أن تفعل شيئا وستبقى معلقا بالوهم والضياع..
الرجل: (في لحظة صمت يمد يده نحو الكيس)
المكان يمتلىء بالأضواء الملونة.. في اللحظة التي يضع الرجل راسه في الكيس ضوء شديد يخرج من داخل الكيس بينما تختفي المرأة )
الرجل: (صارخا) لا يمكن ان يحدث هذا.. دعوني أكمل مشواري.. دعوني اصحح اخطائي.. توقفوا ..توقفوا.. توقفوا..

(اظلام – ستار)
العراق العجيب/ البصرة في 20/1/2019

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى