حنان درقاوي - حب في انتظار الفارينا

صيف 1984، ساحة السوق الأسبوعي في مدينة ميسورالواقعة بمنطقة المغرب الشرقي.
شاحنة التعاون الوطني التي تحمل الفارينا ستاتي في ظرف لحظات لتقذف ما بداخلها من اكياس الدقيق الأسود المستورد من أمريكا في أغلب الأحيان. تقذفه في بطون جائعين ، يقفون طوابير وفي أيديهم البون الذي دفعوا من أجل الحصول عليه عشرات من دراهم.

وقفت السالمية، شابة العشرين ربيعا في صف النساء. كانت تنظر إلى الطيبي، شاب الأربعة والعشرين ربيعا واقفا في طابور الرجال.

تأتي السامية لتحمل الكيس بدل أمها القعيدة منذ سنة فيما يتكفل الطيبي بدقيق أمه وإخوته اليتامى.

كل شهر يلتقيان في طابور التوزيع. يتبادلا ن نظرات قصيرة. تحمر وجنتا السالمية فيما يضطرب الطيبي. يخرج من الطابور ويتكئ على جدار. يدخن سيجارته الرخيصة.

إقتربت منه السالمية. نزعت سيجارته وقالت:

ـ لنرقص.

أحاط كتفيها بذراعيه القويتين فشرعا في صلو جميل. كانت تتلوى من الفرح بين ذراعيه فيما تحلق المنتظرون حولهم يتابعونهم برغبة وإعجاب ولهف للرقص بدورهم.

حين انتهت رقصة الإفتتاح دخل المنتظرون حلبة الرقص مثنى مثنى. كل شاب يمسك بذراع شابة جميلة وبدأ البال.

موسيقى، رقص وأكواب عصير فواكه. كان الجميع يستمتع بلحظة استرخاء قبل وصول الشاحنة.

وقفت حدهوم وهي صديقة للسالمية وأعلنت للجميع:

- تعرفون أن السالمية والطيبي يحبان بعضهما منذ سنوات. لقد قررا اليوم إعلان خطبتهما، تهانينا.

تقدم الجميع لتقبيل الخطيبين الجديدين اللذان كانا ملتصقين في قبلة حميمة.

حضرت أم السالمية (بدون كرسي مقعدين) وأعلنت فرحتها ومفاجاتها أمام الجميع. ختمت أنها سعيدة باختيار إبنتها وتمنحها رضاها لهذا الزواج.

تعارفت العائلتان اللتان وحد بينهما الشاب والشابة في أواصر الزواج المقدسة.

سيارة التعاون الوطني تأخرت قليلا لكن الحضور وكلهم في ملابس جميلة كانوا فرحين ومحتفلين بهذا الزواج الجديد الذي يعد بسعادة كبيرة.

كانوا فقراء

وسعداء كغجر.

كنت أنظر اليهم وأنا أنتظر سائق أبي. يعيدني إلى البيت حيث ينتظرني خبز القمح الأبيض بعد درسي الخصوصي مع الطيب المفضل، أستاذ الرياضيات المتقي الذي سيدس يديه فيما بعد في صدري الصغير فأكره الرياضيات للأبد.

كنت أنظر الى هؤلاء الراقصين السعداء وأحلم معهم بسعادة على هاته الأرض، بإله جميل يبارك الحب والرقصات.

حلت شاحنة التعاون الوطني . نزل المرود" رجال القوات المساعدة" ، طوقوا المكان وأرهبوا الجميع.

كان الطيبي لايزال واقفا في صف الرجال والقاسمية في صف النساء تنظر إليه من حين لآخر.

كان حلما

فهمت بعده أنهم فقط

فقراء

ولهم إله لايبارك الرقصات.



(1) الفارينا هي الدقيق الأسود المستورد الذي كانت الدولة تتكفل بتوزيعه لبعض الفئات الاجتماعية المعوزة في المغرب مقابل ثمن زهيد.


* من مجموعة "بنت الرباط" دار النايا 2014

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى