بانياسيس - حظك اليوم - قصة قصيرة

نظر الى السلالم الموصلة الى بهو الوزارة ؛ سلالم رخامية لامعة ، على الجانب الأيسر قبعت عربة تاتشر عليها مدفع دوشكا وجندي يحاول التماسك والامتناع عن النوم.
الصباح حار ولذلك شعر بالهواء البارد وهو يضع قدمه في مدخل الوزارة... كل التكييفات تعمل بدون توقف حتى عندما يخرج جميع الموظفين.. فالمال العام لا بكاء عليه. سأكون أول من يصل الى المكتب.. قال ذلك وأخذ يصعد السلالم الداخلية برشاقة فالمصعد معطل منذ أسابيع ولم يتم التصديق بميزانية إصلاحه منذ ذلك الوقت. الوزير غير مهتم لأنه لا يحضر أساسا بل يتلقى أعماله كلها في مكاتب شركته الخاصة بالمقاولات والانشاء. انشأها بالطبع بعد توليه الوزارة وحصل عبرها على جميع عطاءات الوزارة. لكن هذا ليس مهما ؛ فالكل يمارسون هذه اللعبة الصغيرة لضمان مستقبل ابنائهم. وحينما وصل الى الدور الثالث حيث المكتب ؛ توقف قليلا وأخذ يتنفس بعمق ويمسح قطيرات عرق على فوديه. ثم خطا خطوات واسعة ورأى يحى جالسا ؛ يحى سمين ويتعرق جسده بغزارة حتى لو كان في الاسكيمو ، انفاسه لاهثة دوما وكأنه كان كلبا في حياته السابقة. نظارته سمكية الإطار ولكن عدساتها شفافة وتظهر عينين تحيط بهما هالات زرقاء. كان يحى يجلس مدليا يديه باسترخاء خارج كرسيه وعيناه مغمضتان نصف اغماضة ، سلم عليه فاكتفى يحى بارسال نظرة خاطفة اليه ثم عاد وأغلق عينيه وفتحهما نصف فتحة. قال له: غريب انك لا تدخن .. هل اصبحت ملتزما باللوائح أخيرا. اكتفى يحى بفتح عينيه واغلاقهما فلم يفهم هو شيئا. مابك..هل أنت مريض؟ لوى يحى فمه وفتح عينيه واغمضهما ففهم أنه يقول بأنه ليس مريضا. أمرك غريب هذا اليوم..هل توقفت عن التدخين وتشعر بأعراض انسحابية الآن.. يمكنني أن آتيك بلاصق نيكوتين ليساعدك على تجاوز هذه المرحلة الخطرة. مرة اخرى اكتفى يحى بغلق عينيه بشدة ولمدة أطول قبل أن يفتحهما. مضت برهة من الصمت قطعها دخول ميسون التي لم ير وجهها قط من قبل ؛ سلمت عليهما بسرعة فحياها واكتفى يحى بفتح عينيه وغلقهما. ماذا هناك يا يحى .. هل هناك خطب ما..
فجأة انتفض يحى صائحا وصوته يتهدج.. ياخي أرحمني .. لماذا توتر اعصابي بكل هذه الاسئلة السخيفة المتتابعة...
رمقه بنظرة مذعورة وقال: لم اقصد شيئا كنت قلقا عليك فقط..
صاح يحى: أنت لست أمي لتقلق علي.. أنت فضولي وقح فقط... الا تحترم سكينة المرء أبدا.. لماذا تحشر أنفك في حياتي...
قال بذعر: لم أحشر انفي لكنك على غير عادتك لا تتحدث.. صاح يحى والدموع تجري من عينيه: لأول مرة أشعر بهذا الشعور ..لأول مرة أشعر باللا مبالاة تغمرني.. حاولت أن استمتع بها لأكبر قدر ممكن ولكن تدخلك السخيف المتواصل وترني..وتر أعصابي وأقلقني...
نهض وغادر المكتب باكيا فصاح: هل ستغادر قبل نهاية الدوام ؛ التفت يحى نحوه وصاح: لا تحشر انفك في حياتي..ابتعد عني...
رفعت ميسون نقابها عن وجهها وقالت بقلق: لا بأس .. يبدو أنه برج القوس...
نظر الى وجهها وقال بتفهم:
اها... اذن فهو برج القوس.. فهمت الآن...
تأمل وجهها .. كان مليئا بالدمامل المحتقنة..مع ذلك كان جميلا أيضا...
سمعها تتحدث طويلا عن صفات برج القوس...ثم غاب صوتها وهو يحاول عد الدمامل على وجهها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى