ظبية خميس - رمح قلب الليل.. قصة قصيرة

قال لي: ارو لي مما يفيض به قلبك قلت: رويت فما ارتويت.سنام جمل يمضي بكوكبة من خلق الله، لا يعرفون إلى أين هم يذهبون. ولا يتذكرون من أين هم جاءوا، ولا كيف بدأ ذلك الحجيج المهول الذي يمضي بهم في سرداب الوقت على ظهر هذا الجمل الصامت، الصبور.

غمامة قذفت بهم فإذا هم من الغمامة إلى السراب. تائهون مثل تلال الصحراء.. لا ينتابهم العطش، ولا الجوع، ولا يعرفون لهم محطة للراحة أو الانتظار.

يسوسهم ضبع ينظر إلى خلفه، ولا يرى ما أمامه.. وتصحبهم الذئاب والغربان من مكان إلى مكان

يزدادون عددا، ويتركون لمن يقتفي آثارهم أشلاء ودماء لا تجف أبدا، يندمون على شيء لم يدركوه.. ويتوقون إلى ما لا تستطيع أبصارهم الرمي إليه.

هم صفوة الأحياء.. وآخر الموتى.. يدركهم قيظ لا ملاذ منه.. وينام فوق رءوسهم ليل دامس تسمع فيه حفيف ثياب الجن، واحتضار القتلى. ، قال لي: قول لا أحن إليه، وأمر لم أبحث عنه.. أين هو العذب، النقي، الشافي، المشفي، الرائق في ذلك الفيض.

قلت: ما خاصمته.. لكنه خذلني أيها السائل عن ذوب القلب. كرامتك قد ردت إليك.. وسابيك هو المسبي نور من دفق الظلمات تطلب.. والروع ما زال يشعل أطراف شعري المخضب ببياض الهول. ما سرني إلا الذي تطلب لكنه في هباء الروح قد سار بعيدا.. ما مسسته إلا بشغف القول.. وما الذي أرى.. وذلك الذي أسمع. وهذا الذي يمسك بقلبي بين يديه إلا صخب المطموس بحلقي.. مثل غراب أسود.. ينعق كلما نطق لساني بوقع الحال.

قال لي: امضي إذن.. ودعيني لصوتي يقول لي ما يطيب له من القول.

ومضيت إلا أنني كنت أرقبه من البعيد.. وأنظر إلى ظلال صوته تأتي إلى أذني.

غنى وأطرب.. ثم قام للرقص منتشيا.. وأقام عرسا على الأرض.. أيقظ فيه أولئك النيام.. وأولئك الموتى.

غنى ولم يصمت حتى نام الظلام وأشرقت شمس تنعم بضجيجها.

ساورتني الشكوك في فرح هذا الذي يقول.. وخيل إلي أن به مسا أو خبلا ما.. وخشيت أن يكون حديثي لمعتوه يفرح.. وأنا أصب في أذنيه ما آلت له الدنيا.. جددت النظر إليه فلم أجده.. كان قد اختفى عندما مر الركب على الهودج. ووراءه رأيت الطبل.. والمزمار.. وآثار أقدام كانت ترقص فوق طمي الليل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى