رشيد بلفقيه - المبصر

2940-e8b3ea004e44e4ac8f46db893802713c.jpg

حلم الليلة الماضية حلما جميلا ، رأى فيه في ما يرى النائم كل هوامش أفكاره الماضية تتوحد في النص الشارد و تلمع تحت الضوء الساطع و قد تبخر كل ما كان يغمه و يقض مضجعه وصارت كل العوالق المتبقيات على ما يرام. باختصار ، رأى أن حياته قد صارت مكانا مثيرا و جميلا و يصلح فعلا للعيش ، عندما استيقظ قرر أن يحبس نفسه داخل الحلم ، لذلك غادر السرير بعد لأي بعينين مغمضتين .
وقف أمام المرآة ،غسل ذاكرته من كل ما فات و نسق ملامحه كما اشتهى لأول مرة منذ سنوات ، تناول فطوره بتأن و لأول مرة استساغ مذاق الخبز الجاف و الجرعات المتتاليات من كأس الشاي المعتادة .
إلى الخارج مشى يعيد اكتشاف العالم كما يشتهي عبر ظلام جفنيه الاختياري ، رسم الوجوه باسمة بعمق، و الشوارع منسقة و قد شفيت من فوضاها المزمنة و التأمت حفرها ، ورود نبتت هنا و هناك و زّينت الشرفات اللامعة ، جرائد توزع بالمجان و كتب على مد البصر، مقاه ولجت عصر ما بعد عرض المباريات و التهام الأجساد الغادية الرائحة ، الكل منخرط بتلقائية في السير بتلقائية في نظام خفي تحرسه يد لا مرئية . شرطي المرور العابس غالبا بدوره بادره بالسلام مبتسما بود ، بائعة الفواكه كذلك تبسمت له رغم انه لم يشتر منها شيئا . انتشى كثيرا و أحس بجسده بالكاد يلامس الأرض.

بعد خطوات من هذا المشهد دنا منه صوت قوي لفرامل غاضبة ،يرافقه منبه سيارة مزعج ، أحس - في حلمه- بسيارة ترتطم به ثم بجسمه يحلق في الهواء لهنيهات قبل أن يعيد السقوط بعنف على الأسفلت .
فتح عينيه ببطء و أبقاهما مركزتين على زرقة السماء . راعه علوها و بعدها الكبيران ، قبل أن تزاحمها وجوه ووجوه ، ضاق حجم الرؤيا شيئا فشيئا بتزاحم السحنات و الأسئلة .
- مالو .. مالو.. ؟
لم يكترث كثيرا للجلبة حوله ، أعاد إسلام عينيه للظلمة محاولا أن يتغلب على الألم الشديد الذي دب في كل أنحاء جسمه بحلم أبدي، ربما ....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى