مقتطف أيمن مارديني - فصل من رواية " غائب عن العشاء الأخير"..

الى يمام

9

مطر مازال لم يغادرني... مطر في الذاكرة... مطر في الأحلام... مطر يتساقط بين الذكرى والذكرى ليجعلها تسيل من بين أصابعي... ذكرياتي تتسايل ولا أستطيع أن أمسك بها... لا أقوى على الاحتفاظ بخصوصيتها، وسريتها، وانتهاكها الآن بفعل التطهر ربما، أوبقصد الوفاء للجميل من الذكرى الجميلة التي كانت بين يدي جسداً وطرياً وخفيفاً كما الهواء... ثقيلاً كما الألم عند فراقك، وأي فراق كان.
وتمطر، ويستمر المطر ولا تتوقف أعمدته المائية عن السقوط، لتظهر من بين عتمته وظلاله ولمعانه المفاجىء سيارة الإسعاف أمام باب المشفى القريب من بيتي... أتطلع إليها، وأنت بين يدي تنزف، والدماء تغطيني، وتغطيك، ولا تقي البرد الرجفان الفزع والروح المعلقة بوجهك الصغير مائلاً إلى جهة صدري، وتنفسك أراقبه، ولا أثر له... لا حراك لعضلات وجهك، أونفضة لبدن يتألم، ولم تمت أبني... أعلم... أنت لن تموت.
خرجت راكضة من بيتي وأنا بلباس النوم... احتضنتك بين ذراعيّ، وحافية كنت، ومن حولي البرد والليل وأنا معلقة على صليب من ماء... كنت قد سقطت أرضاً، وكما كل الأطفال يسقطون، ويقعون، ويتعثرون، وتكتب لهم النجاة، والتعلم البطيء ويسقطون، ويهوون، ويجرحون، والكدمات دائماً ما تصيبهم، أوالجروح السطحية الخفيفة، ومن بكائهم يكتسبون الحماية والقبلات والأحضان، والدلال الذي يوددهم إلى سقطة ثانية، وحضن آخر يلفهم، ويسقطون، ونغرقهم بالقبلات.
إلا أنت ابني... إلا أنت كانت سقطتك أخرى .
كانت السقطة للأرض، وإلى العميق منها... إلى التراب .
وسقطت، وكانت هي السقطة الأخيرة لك، ولم يكتب لك أن تنال المزيد من قبلات، أو دفئ الأحضان، أوتشجيع .
وكانت السقطة لك، وليس كأي سقوط آخرلأي أحد من قبل.
سقطة تجاوزت سقوط آدم وحواء على يد الخطيئة .
سقوط، وأراك تنزل من بين يديَّ... تهبط عن صليب جسدي، وتتمدد على الأرض وحيداً... بين قدمي الصليب تستلقي، وبيديك الصغيرتين تمسح آثار دماء علقت على جبينك... بين حاجبيك، ونزلت على رقبتك البيضاء... الناصعة، وتنفض بأصابعك قطرات دمك... تلقي بها بعيداً عنك، وتقوم من سقطتك... أراك تقف على قدميك... تنظر إلي، وتذهب بعيداً... تسير وحيداً... وبعمر الثانية تكبر أنت في سيرك سنة من الزمن... وبمرور الدقيقة الأولى تذهب، وأنت متأبطاً حقيبتك المدرسية، وبداخلها كتابك الوحيد، وقلمك الرصاصي الوحيد، وأيضاً كأس الماء، وشطيرة الجبن التي تحب، وقبل أن يمرّ اليوم الأول لك تكون قد انتهيت من سنين دراستك الابتدائية، وأنت في التفوق والكمال والتميز الذي أنت عليه دائماً، وعندما تسير عائداًإلى بيتك تكون قد شارفت على الدخول إلى الجامعة... طبيب... مهندس... صحفي أم طيار... كن ما تريد أن تكون... اخلق لك يومك الذي تحب، وغدك هوملك لك وحدك... أنت تشاء، ولك مطلق المشيئة، وأيضاً أنت هوصاحب الغد لا أنا.
وأتطلع بين يدي إلى صورة ألوانها باهتة... كنت أنت فيها، وصغيراً كنت... ترتدي شورتاً بلون أزرق الجينز، وقميصاً سماوي اللون، وتسريحة شعرك المائل للاشقر، والمسرح بعناية وعليه من مثبت الشعر الكثير ليلائم صورة الزمن الآتي منه إليه، صورة طفل مرت السنون عليه، ولم يكبر... بل مرت، وكبر، ولم يفارق نضارتها، ودفئها، وبراءتها الذي صنعتها أنا، وبين يدي تكونت .
وتعود لي من حفل عشائك وأنت في الحنين لي، وتعانقني وتمسك بالصورة بين يديك، وتقول لي:
- هذا أنا ما كنت عليه؟
وأقول أنا:
- والسلام على فاتحة العمر العشرين، ولك مني ألف اندفاع وغريزة وعاطفة من زبد. وسلام على الفتى الذي هومن حجر ومن غضب، وحب، وساكن في خلايا قصيدته التي يخبئها خجلاً... يخبئها عن أمه، ولأنه عرى فيها النهد، وقضم الحلمات، وارتعش عند الإنزال.
ونضحك انا وأنت.
ونضحك ونطير .
ونطل من شباك العمر الصغير على الضحك، لنجده أرضاً ممدودة... مدى مطلياً بالشفاه، والبسمات، وأجنحة من فرح مغزول به ريشها.
أنت كنت أول الفاتحة، ومنها أتيت... فقد أنكرت الطين أن يكون جدك، وجعلت من الفارس الأحمر شعاراً لكراسات التاريخ واللغة، وأيضاً كتاب الديانة المدرسي .
أتذكر؟
أم الذاكرة ليست عليك بمسيطر؟
أنت كنت أقصى اليمين، وأنا كنت أقصى اليسار، ولم نكن نعلم أن الطريق دائري بيننا، ولم نكن ندرك أن الحياة الحقيقية هي مركز الدائرة التي نسكن خارجها... لا وسطها .
لتعود إلى صورة أخرى لك، والألوان أيضاً كالحة، وبعد عشر سنين .
تمسك بالصورة بين يديك، وتقول لي:
- هذا أنا ما كنت عليه؟!
وتأتي من حفل عشائك وأنت في اشتياق لي، وتعانقني، وسلام آخر أتى منك إلى بدايات الثلاثين ليزداد اتساع الشباك فينا على الضحك، وبالضحك مازال لدينا القدرة على الطيران.
والسلام على فاتحة الثلاثين بعد العشرين، وفيها من الشيب بدأ يغرف أكثر من كلمات القلب، فيه من الشيب يغزو تردد القبلة الأولى لك... لكل عاشقة لك، وللحياة، إلا العاطفة مازالت من وهج.
أيها الفتى الذي كان، وأذكرك عشرينياً كنت، ويافعة أحلامك، وثلاثيني الآن أنت، وحلمك أكثر إخصاباً .
أنا كنت أؤمن بلغة أحلامي، وشرقية كانت... لغتها عربية، وأعشق الفاتحة فيها، وأضم على قلبي ضمة وردة لصبار، وكنت أنزف في صمت، وأخاف الانكسار أمام الزمن الرديء، وأنت غربي الهوى، وأتيت إلى اللقاء بيننا، وأنت تحمل أحرفاً أخرى، ولغة أخرى تسير من اليسار إلى اليمين، لتقف عند نهاية السطر، وتعلن رفضها لليسار، وأنها بكل وثوق ذاهبة إلى اليمين، وتؤمن أنها هي أبجدية اللحن الأبدي .
ولم نلتفت إلى أن اللغة هي أحصنة تركض على أحلامنا، وعليها ألا تلحق بها... علينا ألا نترك صهوة الريح تأخذنا بعيداً، وأن اللغة هي الريح في صوت ناي، ونحن من يعزف... نحن الأهم من شكل الناي أياً هو... من قصب كان، أومن خشب السنديان .
وتذكر أيضاً؟ بل أتذكر أنا ما كان منك عندما بدأت تتلوالفاتحة عند قبر جدك راشد الذي اتفقنا على خيانته سوية، وضحكنا أكثر دونه... فقد كان نجاراً يصنع من مطره صليبا لم يعلم أنه عليه سيصعد ذات شتاء.
تعثرت، وتباطأت، وأتاك سؤال:
- لم عندما تأتي النهايات نقرأ عليها الفاتحة؟
وسألتني وقتها عند حافة جسده، جسد راشد الجد... الأب... الصديق، والحبيب في نزق طائش، بعد أن نظرت إليه، وإلى يديَّ المفتوحتين، وعرق كلمات الفاتحة لم يجف بعد، وقلت لك:
- الفاتحة نغرق فيها سرير الرقاد الأخير، ونملأ بها الجسد عله ينال بفاتحة الموت راحة ونوم هنيء، عله يكون مليئاً بالأحلام.

فقد كنا نعلم أن الموت نوم يأتي إلينا بلا أحلام... بلا أجنحة نطير فيها، أوضحك نملأ به جيوبنا.
أتذكر؟
وأذكر أنا.
وتتلوعليه الفاتحة، وأتلوعليه الفاتحة، وتقرؤها أنت مرة، وأنا مرة، والفاتحة كلمات من البدايات هي أتت، وتأتي مازالت أكثر من مرة واحدة البدايات... بداياتنا مازلت تأتي أكثر، ولا تكفي مرة واحدة لها، أولنا البدايات .
وافترقنا... أنت إلى حفل عشائك لتغادر الثلاثين دوني، وتأتي إليَّ وأنت في الحنو ومرغماً عليك عمر الأربعين يأتي إليك ليعلن فاتحة أخرى، وترفضها، وإن قلت لك عنها هي النضوج،و العقل، و الحكمة، وفيها تكون عاشقة الوحي السرية حاضرة، ودثريني يا عاشقة قول، و مسدي شجني واعتناقي فعل، فهما لهبان أحترق بهما... يخترقان سوية الأنصاب والأزلام، والجسد المتعب باكراً... قبل الأوان.
أتذكر؟
لا... لن تذكر هنا .
أعتذر منك، وإليك، وعنك أيضاً.
كأنك أنت هنا.، وأنا أتذكر وحدي دونك البدايات، والفاتحة هنا لي وحدي هذي المرة... أتلوها، وأقرؤها عليك... دونك، وإليك... لأنك غادرتها أنت البدايات منكسراً... مهزوماً... موءوداً، أومطعوناً في حبّك لها، ورفضها لك كسر مراياك، وأحلامك طارت بعيداً عنك، وأنت دونها، ولم تعد الفاتحة لك من معنى سوى كلمات.
وتمسك بالصورة بين يديك، وتقول لي:
- هذا أنا ما كنت عليه؟!
- هذا أنت ما سوف تكون... أريده أن تكون... تريده أنت أن تكون، وتصبح، ولا تمسي أبداً صورتك أمامي.
وعندما كان جسد البحر وقتاً يعانقنا أنا وهو والفاتحة، ورأيتك تأتي إلي تزورني... تصحبني لنشرب القهوة الفاتحة، ونظللها بالذكريات... نسأل النادل أن يأتي إلينا بالجرائد، ويعتذر أنها منذ أسبوع، ونضحك سوية، وتخبره أنه لا فرق... تلاحق أنت مؤخرات الفتيات أمامك، ولا ألتفت لك متوارية بنظري عنك، وأعلن أنا لك... للمرة الألف ولهي بالأزرق العاري للبحر، والذي أراه يسير على دمي، وأنت تتذكر قصيدة لي عنوانها على مائدة العشاءالأخير، وأنا أعاود طلب فنجانين آخرين قبل أن تتلوها، وكعادتك، وبلثغتك المحببة... تتلجلج عند البدايات، لأكملها عنك، وتشاركني الإلقاء، وعند بداية الفنجان الثالث يأتي النادل إلينا يطلب الحساب، تسارع أنت، وأمد يدي إليه قبلك، وأناوله، ويقول لي: أعتذر منك... لقد حان موعد تغيير المناوبة لنا، وعلي أن اقفل الحسابات، وإن لم تذهبي بعد... أبتسم بهدوء امراة واثقة وملأى بالذكريات، وأقول: لا داعٍ للاعتذار... لا يهم التوقيت. ليسألني هو: وأراك غداً تأتين كما هي العادة إلينا لتشربي قهوتك وحيدة.أنظر إليك... اليك أنت أمامي، والدهشة تكسوني، وأبطن لك اعتذاراً، وبعد برهة أقول: أجل... أجل... كما هي العادة، وينصرف عني، وألملم أنا حاجياتي، وأهمس لذاتي سراً، وأقول لها:
وكأني أحلم حلماً جديداً... لم يزرني من قبل، وأخاف .
ترى أتركتك عند مقهى البحر وحيداً جالساً عند طاولة وحيدة، وكرسي وحيد، وفنجان قهوة وحيد؟
أم حملتك معي إلى زمنك... عائدة بك إلى حيث أنت الآن بين ذراعيّ طفلاً ينزف من رأسه، وهومعلّق على صليب جسدي... يرفض النزول وحيداً، وبين يديه صورة... ألوانها كالحة... باهتة، لطفل لم يتجاوز الأشهر الأولى من عمره.
وأقول أنا:
-هذا أنت ما كنت عليه، وهذي أنا أحبك وأشتاقك وأحن إليك وأبكي عليك... أبكي منك، وإلى حزنك وألمك وأوجاعك ونكران أبيك لك وعائلتي والعالم والحياة.
هل الحياة أنكرتك حقاً، أم هوسوء اللحظة والتي تلهوبي دائماً كما تشاء؟
- وكيف لي ان أنسى يمام ؟
- قل لي أيمن ما هوعالق لديك من أثره؟
- أذكر، والذاكرة لدي هي يمام الجرح الذي لا يندمل، وكيف لي أن أنسى... أسميناك عصفورا... لانك كنت صغيراً كالعصفور ولم تبلغ سن اليمام بعد... كنت ترفرف بيديك دائماً، وتخرج لسانك الوردي الصغير باحثاً عن ثدي طائر في الهواء لتتلقفه شفتاك... رجلاك الصغيرتان لا تتوقفان عن الحركة ورفس كل ما يقترب منهما، ونضحك، وتضحك تلك الضحكة الشقية المتوارية خلف عينيك الصغيرتين، ورموشها الصفراء الذهبية.
كنت تعرف هناء النوم بين ذراعيَّ... بشفتيك الناعمتين تبدأ رضاعة ساعدي... بعد أن تكون تطامنت لدقات قلبي، وأسمعتك كم نحن نحبك ونرغب بك معنا، وأن الألوان قد بدأت تعرف طريقها كل إلى لونه بعد أن أتيت أنت اليها... إلى الحياة.
كنت أحبك، وأكثر.
وإلى الآن مازلت أحبك، وأكثر.
- أيمن ... ولكن أنت لم تكن موجوداً في يوم السقوط؟
- لا، ولكن عندما علمت بذلك أنا ونانو أتينا مسرعين... كنا في القاهرة، وعند عودتنا رأينا ورقتك التي دسستها في فتحة باب بيتنا، وسارعنا إليه... اليك في المشفى .
فوجئنا أنك في غرفة العناية المشددة، والزيارات ممنوعة... أخبرتهم نانو أنها الطبيبة المشرفة عليه، ودخلنا إليك... كومة من ريش أبيض ملقاة على جسد السرير الأبيض ... اقتربت منك... نظرت إلى وجهك الصغير... مغمض العينين، وفي استسلام الملائكة كنت تذهب وحيداًإلى الغياب الآتي، ونفضت رأسي عن تلك الأفكار الآتية من وسوسة الشيطان الخبيث.
- يمام... عصفور... حبيبي.
همست لي الممرضة:
- هو في غيبوبة منذ ثلاثة أيام... لن يسمعك، ولن... ...
ولم أسمع ما تبقى ... اقتربت منه... همست في أذنه... عصفور... حبيبي... أنا هنا... أنا آسف تأخرت عليك... والله لم أكن أعلم... حبيبي... أين أنت من وعدك... هل نسيت كلمة الرجال التي قطعتها على نفسك؟
اقتربت مني الممرضة مرة أخرى، وهمست بحزم هذه المرة:
- أستاذ أرجوك... عليكما أن تغادرا الآن.
- دقيقة واحدة فقط... أنا أنتظر رده علي.
- قلت لك هو في غيبوبة .
وفجأة، وبغير توقع منها برقت عيناك العسليتان أمامنا، بعد أن ملت برأسك تجاهي، وبدأت في إطلاق أنة طويلة متحشرجة صغيرة السن كبيرة الألم.
فوجئت الممرضة، وقالت لي:
- هيا... هيا إلى الخارج... علي أن أستدعي الطبيب حالاً.
كنت تنظر إلي... تتشبث نظراتك بي... تتعلق بأهدابي، ولا تريدني أن أغادرك... لا أريد أن أتركك وحدك.
- حبيبي أنا هنا ... أنا أحبك... هيا قم... من سيغازل الصبايا ... من سيعرفني على صديقاته الجميلات... حبيبي نحن نحبك، وننتظرك.
- هيا أستاذ أرجوك... تفضل معي إلى الخارج.
- أريدك معي أنا أيضاً يمام...
- الطبيب سوف يأتي الآن، ولا داع أن يراكما هنا .
- عصفور أنا بأنتظارك .
- أيمن... غير معقول ما يحدث.
- سوف أنادي أمن المشفى إن لم تغادرا الآن ، و حالاً.
- عصفوري... حبيبي... أنا أسمعك جيداً... أحبك... حبيبي... قاوم... أنت رجل وقوي .
- أيمن، عصفور قام... حقاً قام.
وكأنه يتمتم:
- أيمن... احمني من الطيران إلى الأعلى... إن جناحي صغيران، والضوء هناك أسود.
أما أنه لم يقل شيئاً
أو إنني –ربما – لم أسمع صوته
أم ترى هي الغفوة ما أصابتني لوهلة، وتهيأ لي قوله.
ليتوقف الكلام فجأة على شفتي، وتختفي نبرة التهديد في صوت الممرضة، ونانو مازالت تتشبث بذراعي، وتخفي بكاءها بكف يدها الأخرى، أوتضعها على جنينها الساكن داخلها... رامة الغد، يزن بعد غد، وسامي، وكل أطفال الزمن الآتي.
هي لحظة توقف فيها الهواء بالغرفة أن يتنفس.
هي برهة اختفى من تفاصيلها توتر الحدث.
كل ذلك فور أن ارتفع صوت ارتطام دمعته التي سقطت من عينه على خده البكر.
قطرة واحدة سقطت، وشفافة كانت بلون الألم الذي يحمله.
قطرة وسقطت تعلن سقوط الإنسانية من بعده على وجه الأرض.
دمعة يمام كانت هي قربان الغفران للبشرية من بعد مسيح عجز أن يفدي البشر.
ترى هل أضحيته بنفسه كانت شفاءً للآلام من بعده؟
ولا رد على سؤالي... أسئلتي، ولا من مجيب... لا جواب، واللعنة على الأسئلة... اللعنة على الإجابات، ومن يريد أن يسأل ومن يبحث عن الأجوبة مازال.
وإن الأسئلة لأولها وهم، وأوسطها ألم، وأخرها ندامة، وأيةحماقة!
وأعلم أنك رحلت لأنك رفضت البقاء.
أتعلم أننا بكل سذاجة الانتظار ننتظرك أيضاً ما زلنا، وأن تأتي إلينا في أحلامنا تزورنا، تطل علينا من نافذة الطقس أنت وباقي رفاقك العصافير الذين انضممت إليهم طواعية منك دون إرادة منا.
هوقرارك الحكيم... ربما؟
هوالحل الأمثل الذي اخترته أنت بغريزتك لمعضلة بقاءك.
ولكن لا... لن أقبل حلاّ كهذا ، أوإجابة على سؤالي لك .
لن أطاوع الموت في سطوته.
وهل بيدي شيء؟
صوتك يأتيني من هناك، من عمق ظلمة الحياة، وبأسها.
يمام...يمام.
أنا في حضرتك كنت إله المريدين.
أنت في قلبي الآن لحد الحياة .


[SIZE=6]* رواية " غائب عن العشاء الأخير" أيمن مارديني - منشورات دار الريس - بيروت - لبنان 2015[/SIZE]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى