حسن إمامي - الإسقاط الاستشراقي في تجارب الكتابة..

اختيار العنوان هنا مقصود لكونه سيشتغل في ملاحظات على الحمولة الفكرية والثقافية والدراسية التي تلقاها الكاتب باللغة العربية على الخصوص والتي تأثرت بالدراسات الاستشراقية عموما. لكن هذا العنوان يفرض علينا الحذر حتى لا نكون شوفينيين ومحاذين للصواب والموضوعية والعلمية ومصداقية التحليل في نهاية المطاف. ذلك أنه بدرجة انتقادنا للدراسات الاستشراقية التي انحازت للمشروع الاستعماري أو للمركزية المرَضية الأوربية في التحليل، بدرجة حاجتنا إلى إضاءة ذواتنا من الداخل ورؤية عيوبها وحقيقتها وتقبّل نوعية تشخيصات قام بها المحللون والدارسون لها لكونها موضوعية وعلمية وتحتاج منا لتحدي الاعتراف بها والتحوّل معها.
لعل أكبر ضجة صنعها هذا التفاعل بين الكتابة وتلقي الفكر والخطاب والمنهج الاستشراقي هو ما وقع مع عميد الأدب طه حسين. هو تصادم بين الوعي والجهل. هكذا يمكننا تسجيل هذه الملاحظة تحديا وليس انتصارا لهذا التيار على ذاك. فلماذا هذا التحدي في الإقرار بتجربة طه حسين؟ طبعا من يشتغل عن وعي وعن اختيار ومشروع ليس بمثل من لا يمتلك هذه العناصر. وهنا سنفسر الإسقاط كنوع من اللامعرفة بما سنستعمله كتحليل وكفهم وكوعي. سيكون ذلك الحكم الذي لا نفهم قيمته ولا مصداقيته وموضوعيته.
فعن أي إسقاط نتكلم هنا؟ وهل سيكون مقصودا أم مما اندرج سهوا أو عن غير وعي، ما دام صاحبه قد هضمه بدون أن يعي ما ابتلعه ذهنه؟ فهل فعلا كانت هناك تجارب انكتابية سقطت في أحكام استشراقية؟ وهل هناك استشراق موضوعي وآخر انحيازي يجعلنا نرفض هذا ونقبل ذاك؟
بدءا بالسؤال الأخير، نسجل أن الحياة اعتراف بالآخر، وأن الحضارة تبنى بالانفتاح على تجاربه ووعيه وإنتاجه… وهنا سيكون الاستشراق ـ تلك الدراسات التي قام بها الغرب حول الشرق عموما وحول العالم العربي والإسلامي خصوصا ـ مادتنا في التفاعل وفي التفكير والاشتغال.
وحيث لم يكن من السهل على من عاش في ظل استعمار وورث سجل حروب اتخذت شعار الدين قدسية لخوضها كما في الحروب الصليبية، فإن تقبّل الدراسات التي قام بها هؤلاء المستشرقون عموما كان أمرا عسيرا، خصوصا وأن مؤسسات داعمة لهذا الاستشراق كانت ممولة وموجهة من طرف إرادة سياسية راغبة في التحكم وفي الإخضاع كما الاستفادة.
أما بالعودة إلى عنوان هذا المقال فإن ما يمكننا أن نسجله هو ذلك الانزلاق الذي قد يقع فيه بعضنا سواء كان من القدماء أو من المحدثين. انزلاق ينساق مع الأحكام الجاهزة والخاطئة، مع الصور النمطية التي صنعها الآخر، مع ما يحقق مركزية الذات الغربية وأنانيتها وتفوقها الحضاري على حساب شعوب الإنسانية ككل. وهنا نستحضر المادة القيمة التي دوّنها ودرسها المفكر إدوارد سعيد في كتابه حول الاستشراق المعرفة، السلطة والإنشاء.
سنقتصر على بعض تجارب حاولت إرضاء القارئ والمتلقي الغربي بصياغتها لأعمال فلكلورية ومشاهدية عجائبية تلبي عطش المتلقي الغربي في الاندهاش مع الصورة النمطية التي صنعتها الثقافة الاستشراقية في ذهنه ووعيه.
نماذج هي متضاربة في وزنها وسياق تفاعلها مع المتلقي الغربي ومع الثقافة الغربية المهيمنة على مشاريع الثقافة الإنسانية بحكم الهيمنة السياسية والاقتصادية إن لم نقل الحضارية التي تجسدها أكثر ظاهرة العولمة الزاحفة على كل نقطة فوق خريطة العالم المعاصر.
نستحضر مقولة العلامة عبدالرحمن بن خلدون في تبعية المغلوب للغالب ومحاولة الاقتداء به للخروج من التأخر واللحاق بقوة المتقدم. نجد كل هذا حاضرا في استهلاكنا وإنتاجنا المادي وغير المادي، في عملية الكتابة التي نقوم بهاو وننتقد بواسطتها واقعها المتأزم والمتخلّف.
هي إشارات لها سياق تاريخي أنتجها كملاحظات. وها نحن اليوم نقف من جديد أمام بوابة القرن الواحد والعشرين على أمل مفقود يعبّر عنه واقع شعوبنا ومجتمعاتنا ودرجات وعيها وتنظيمها لحياتها السياسية والمجتمعية ككل. لعلنا نستفيد مما سبق في تناول ما يلحق، في استقلالية الذات واعتمادها على رؤية مستقلة في وضع برامج نهضة قوية ومستدامة بلغة التنمية المستدامة وبلغة القدرة على البناء الداخلي للإنسان قبل كل شيء آخر في محيطه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى