شيماء عبد الناصر - رقصة الوردة.. قصة قصيرة

أخذت الوردة تتفتح شيئًا فشيئًا. بهدوء متناه يكاد لا أحد يشعر به إطلاقًا كأنه لا يحدث. أخرجت أطراف أصابعها. درجة اللون السمراء المخضبة بالأحمر القرمزي في الأظافر اللامعة. وهنا بدأت الحركة في الظهور ويستطيع أي أحد أن يرى ما يحدث. توقف الناس في الحديقة. فاتحين أفواههم لآخرها من كثرة الذهول. واتجهت كاميرات المصورين في المكان. وعدسات الهواتف المختلفة الماركات إليها. بينما تحرك الأمن نحو المكان لمعرفة السبب وراء تجمع الناس. وبدأ الأطفال يصرخون دهشة وفرح. وهناك في العيون “ماذا؟” كبيرة تتسرب أشعتها نحو الوردة فتزيدها جمالًا. أحاط الأمن تلك الزهرة الغريبة بسياج أصفر حتى يمنع الناس من الاقتراب. إنها ظاهرة كونية. بدأ الناس في بث الحدث على الانترنت بشكل مباشر. تناقلت وسائل الإعلام الصور الفوتوغرافية والفيديوهات بينما سارعت الكثير منها إلى استباق الحدث والذهاب إلى الحديقة المذكورة لبث الحدث مباشرة. حيث لا يعلم أحد من أين تأت تلك الموسيقى. ولا كيف تحولت تلك الوردة التي كانت من قبل بضعة ثوان كما أكد الجميع مجرد برعم صغير ملفوف حول نفسه ذو لون أخضر باهت. ثم ظهرت تلك الموسيقى وبدأت الوردة تتحرك وتتفتح أوراقها الواحدة تلو الأخرى مع تنويعة لونية غاية في الروعة فكل ورقة أخذت لونًا جميلًا تكاد تكون ألوانًا سماوية فلا الأزرق يمت لأزرق الناس بصلة. ولا هو الأخضر الذي يعرفه الناس. ولا الأحمر يشبه الدم. ولا الأصفر يشبه الشمس ولا الذهبي يشبه السبائك. ألوان تشبه ألوان الدنيا ولكن بها سحر ما. سحر يمكن أن يحلله العلماء فيما بعد. عند دراسة الظاهرة بكل مكوناتها. يستطيعون إدراج الموسيقى والرائحة و “ماذا” مدهشة تتسرب من عيون الناس إلى الوردة. فربما يمكنها بعد خلط هذا المزيج أن يتعرفوا على تلك الظاهرة وإخراج كتيب ينتشر في كل البلاد يشرحها بالتفصيل الغير ممل. من يمكنه أن يمل حينما يقرأ سطورًا كهذه التي تصف رقص وردة على عودها. أو تشريح لون سماوي معجز. لكنها ترقص الآن بالفعل. الأصابع تتحرك بحركات محسوبة إلى الأمام أو الخلف. أعلى أو أسفل تبعًا للسلم الموسيقى الأثير. أما رائحة المكان تحولت لخلطة من الروائح لا أحد يستطيع تمييزها ولكنها بالطبع حلوة. لكنها فقط تستعصي على الوصف. ولأن الرائحة لا يمكن تسجيلها بالهواتف أو الكاميرات مهما كانت حداثتها أو قوة تقنياتها. فحينما جاءت بعض القنوات وسجلت مع عدد كبير من شهود العيان المختلفون في جنسياتهم وأعمارهم وثقافتهم وجنسهم وحتى لون بشرتهم. عجز الجميع عن الوصف. كان يقولون مثلا. إنها رائحة حلوة تشبه شيئًا ما. لكن لا نعرف كنهه. أو حتى نستطيع تمييز مفرداته الدقيقة. وأنه كان اختصاصي في الروائح جلس يبكي بعد انتهاء الرقصة واختفاء الموسيقى ومعها الرائحة. وقد عُرف بعد ذلك أنه أصيب بلوثة عقلية بسبب انتهاء الحدث. ظل طوال عمره يحكي عن كل ما رآه ولكن عجز عن وصف الرائحة أو حتى الوصول لأي شيء من مكوناتها أو موادها. لكنها ترقص الآن. هذه الوردة وأوراقها وأعمق نقطة داخلها بدأت تنفرد بحركات راقصة موسيقية. وإذ ظن الجميع أن العرض انتهى. بدأ في الظهور جسيم في منتهى الصغر. وفي منتهى الجمال. المشكلة الوحيدة في هذا الأمر أنه لا أحد قادر على وصفه. فقط حينما ترى صورته أو ترى الفيديو المسجل تستطيع أن تعرف ما هو هذا الجسيم. أما أن تصفه فهذا جدار تقف اللغة أمامه باكية. سد منيع أو جبل. إنه أشبه بسور الصين العظيم. أمام نملة صغيرة جدًا. لكنه جسيم يشبه امرأة أو طفلة صغيرة. ما لونها أو ماذا كانت ترتدي. إنها أشياء ثانوية في تلك اللحظة. لكنها كانت ترقص. بهدوء ودعة. وبابتسامة- وهذه الوحيدة التي استطاع الجميع وصفها- تشبه ضحكة شمس في ضحى نهار شتوي أتى بعد ليلة مطيرة. ويذكر أن مراسلون القنوات المختلفة كلما سألوا أحد شهود العيان قالوا نفس الجملة: ” تشبه ضحكة شمس في ضحى نهار شتوي أتى بعد ليلة مطيرة” وكأنه مع ذلك الحدث الخارق. بجوار الرقص والموسيقى والرائحة كان هناك سحر ما. هو ما منع الشهود من القدرة على وصف الرائحة أو الراقصة الصغيرة. وهو أيضًا الذي نثر على ألسنة الجميع وصفًا واحدًا. يظهر ذلك جليًا حينما تركز في الفيديو وترى وجوه الناس حينما يتحدثوا. وأنك تستطيع رؤية أفواههم أثناء نطق الجملة كأنهم يلوكون شيئًا ما. أو يمصون ذرات من السكر أو رحيق العسل في لحظة النطق بها. حتى أن أحد المراسلين وكان سريع البديهة لاحظ ذلك وحينما سأل عينة عشوائية من الشهود. نظر الجميع نفس النظرة التي تشبه نظرة رجل مسحور. ولا يرد أحدهم بكلمة واحدة بعد ذلك. وترقص والموسيقى والهدوء وأشعة الشمس الدافئة في الحديقة الخضراء الواسعة والناس والصمت والأنفاس المخملية وكل شيء ثابت وهي ترقص. تقدم طرف القدم إلى الأمام وهي تقف على أطراف أصابع القدم الأخرى. تبدل أحوالها بسرعة وببطء في آن واحد. سرعة تعطي للنظر فرصة للاستمتاع بها ومشاهدة جميع خطواتها. وبطء لا يمله الناظر أبدًا. وقد فسر أحد العلماء ذلك. بأن هذه الرقصة كانت أيضًا خارج مقاييس الزمن. ويتمايل جزعها بطريقة لولبية. إلى الأمام واليمين ثم إلى الخلف واليسار. ذراعاها يضحكان وتقفز لأعلى فتند عن الجميع آهات عظيمة، أُعلن بعدها أن ثقبًا ما صُنع فجأة في الغلاف الجوي وتم تحديد مكانه بالضبط في نقطة تجمع الآهات العظيمة في مركز دائرة تجمعهم حول الزهرة الراقصة. ويداها تتداخلان وأصابعها تبرق كماسة لامعة. وعند القفزة الأخيرة- عدد القفزات كان ثلاثة- والتي كان طولها أكبر من سابقاتها. تهاوت الزهرة على البرعم نثرات من مادة لم يعرف أحد ماهيتها. لكنني فقط استطعت أن أطلق عليها بقايا حلم.


شيماء عبد الناصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى