عادل أوتنيل - اللعبة

Adel-.jpg

في يوم من أيام الربيع الريان، فصل الهواء العليل و الخضرة و النسيم البليل و النضرة ، جلس مصطفى السعداوي وحيدا في الحديقة العمومية يطالع الجريدة بنهم و شره كعادته اليومية ترى لماذا يداوم على قراءة الجريدة ؟ لطالما ظل صدى هذا السؤال يتردد في نفسه فلم يستطع جوابا، ربما ليطرد شبح البطالة الجاثم على صدره و الكاتم لأنفاسه.. انه أمل ضعيف فهو متأكد باستحالة حصوله على عمل في البلد و لو انطبقت السماء على الأرض، و ربما تمكنت هذه العادة في نفسه، لأنها تتيح له الاطلاع على أحدث فنون الخداع و أساليب التمويه و طرائق التهريج و التهويش التي اهتدت إليها الأحزاب السياسية . و أتعبت القراءة عيناه، فألقى بالجريدة جانبا، ثم أشعل سيجارة في حركة عصبية و نفث دخانها في الفضاء، و كأنه ينفث همومه وأحزانه،آه!! لقد ضاع بين أمواج الحياة و غدا غريقا ينتظر قارب النجاة و سرحت به الذكريات بين سراديبها القاحلة ان كان يندم على شيء إنما يندم على وهم عاشه.. وهم اسمه البطولة.. نعم لقد قضى خمس سنوات من عمره في المعتقل بسبب ذلك الوهم الكبير.. خمس سنوات اغتصبت من زهرة شبابه و حرمته من التقدم في مساره الجامعي.. خمس سنوات و هو يعتبر نفسه بطلا، لم يستطع التعذيب الوحشي الحيواني أن يزحزحه عن أفكاره قيد انملة و لم تستطع كلمات السباب و اللعان أن تحطم معنوياته الجبارة، بل لقد كتب كلمات الزعماء السياسيين بحروف من دمه على جدران المعتقل . و ظل يحلم ويحلم بفجر جديد يبدد سواد الليل البهيم و يطرد خفافيش الظلام و انفتح باب الحرية، و خرج.. و يا ليته ما خرج.. خرج فانكسرت أحلامه العريضة على صخور الحقيقة المرة المريرة فلا زالت . المحسوبية و الزّبونية هي الأسلحة الفتّاكة للحصول على عمل محترم، و لا زالت الذئاب تعوي و تنهب أموال البلاد و العباد بتشجيع و تصفيق من الحكام المنغمسين في إقامة الأفراح والليالي الملاح، و الأدهى من هذا كله أن الزعماء الذين تشبع بأفكارهم و آمن بمبادئهم لم يكونوا سوى حثالة من اللصوص المنافقين يتلونون بسهولة كالحرباء، فيشتمون بلسان، و يلعقون الأحذية بلسان آخر!! يواسون المظلوم ببضع كلمات و يشدون على أيدي الظالم و يهنئونه، و لكن مهلا!! لقد قبض عليه، لأنه لم يدرك بأن للعبة قواعدها و أصولها و خطوط حمراء لا يجب تجاوزها، أما الآن فهو مصر على اللعب بروح رياضية جديدة و سيتفادى - قدر المستطاع- الفخاخ المنصبة للأغبياء!! و مر أمامه تلاميذ يلهون و يعبثون، فشيعهم بابتسامة ذات مغزى، ثم تأبط الجريدة و غادر المكان قبل أن يبسط الليل جناحه و يستوي على عرشه .
تأليف عادل أوتنيل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى