بانياسيس - الحذاء - قصة قصيرة

"يا سعادتو.. هذا المدعو مختار شخص مجنون... هذا الشخص يحاول تدمير الهيئة .. أشك أنه شيوعي وطابور خامس".
- ليه؟
- يا سعادتو البارحة بعد نهاية الدوام رأيته يصور أوراقا من أوراق الهيئة.. هذا الكائن لديه تصرفات مريبة.."
- وكيف عرفت أنها أوراق تخص الهيئة؟
- يا سعادتو.. رأيت الترويسة.. الترويسة الزرقاء التي لا تخطؤها العين... أقسم أنها كذلك.. ومن ناحية ثانية لو افترضنا أنها ليست أوراق الهيئة فاللوائح تمنع استخدام أدوات الحكومة في الأغراض الخاصة... ألا يكفي هذا لتوبيخه على الأقل؟.
- صحيح.. سأنظر في هذا الأمر شكرا فتاح..
خرج فتاح وهو بين الغبطة والقلق من عدم وقوع مختار في المصيدة؛ في حين بقى المدير يفكر في زيارة الوزير غدا صباحا... ضغط زر النداء وانتظر قليلا:
- نادي مختار .. قل له المدير يريدك فورا..
الساعي العجوز ذو العمامة والجلباب المكرمشين قال:
- يا سعادتو البارحة تضارب كل من السماني وغريب لقد زعم السماني أن غريب سب الدين للمدير..
قال المدير بدهشة:
- لي أنا؟
- نعم.. مختار قال أنه سيشكوه للمدير فقال بأنه غير مكترث بما سيفعله المدير وينعل دينه ودين المدير زاته..
قال المدير بغضب مفتعل:
- كلام خطير.. انده لي مختار بسرعة .. هيا أسرع..
ابتسم الساعي العجوز وخرج ثم عاد وقال:
- اعمل لك قهوة أم شاي؟
- أممممم.. حسنا كوب شاي بدون سكر مع غصن نعناع كما تفعل دائما...
خرج الساعي مسرورا ؛ وبقى المدير ليجري اتصالا:
- ألو .. يا سيد هادي .. نهارك جميل يا جميل...
أطلق ضحكة ثم واصل:
- الوزير سيزورنا غدا.. هل عندك أي فكرة عن الهدف من هذه الزيارة؟
دلف مختار ؛ وهو قصير ذو شعر أشعث تتطاير خصلاته الجافة نحو السماء.. يرتدي بنطالا أزرقا قديما وشبشبا أقدم من بنطاله وقميصا محشورا في البنطلون بغير اتساق... هم بالحديث ولكنه صمت حين رأى المدير يتحدث بالهاتف.
- أها .. إذن فهي زيارة تفقدية لسير العمل في الهيئة..جيد....نعم لا حاجة لي بالقلق .. لا لا لشيء أخاف منه إنما كنت أريد أن أعرف هدف الزيارة لكي أجهز لها ما يلزم... حسنا.. شكرا حبيبنا..
اغلق هاتفه وقال مباشرة لمختار:
- مختار.. بدون نقاش ..وبسرعة جدا بل وفورا... أريدك أن تجمع كل عاملي النظافة وتعطيهم أوامر صارمة بألا يذهبوا إلى منازلهم إلا بعد تنظيف مبنى الهيئة من سقف الطابق الأعلى وحتى أرضية الطابق الأخير بل والبدروم كذلك.. المكيفات والمراوح والنوافذ أريدها لامعة...
تقطب جبين مختار وقال بمضض:
- ولكن هذه وظيفة مدير شؤون الموظفين..
هز المدير رأسه وقال:
- لا لا لا يا مختار... المدير تغيب اليوم . وفي كل الأحوال أنا لا أثق في شخص سواك... العمال لا يخافون شخصا مثلك...
حاول مختار اخفاء ابتسامة رفت على شفتيه ثم قال بدلال:
- إلى متى تدللهم هكذا يا سعادتو...
أخرج المدير سجارة وأشعلها وقال:
- ذلك الأحمق فتاح جاء ليشكوك.. وطلب معاقبتك..
قال مختار بغضب:
- الكلب..لن أتركه...
قال المدير:
- لا لا لا تخبره أنني أخبرتك بشيء.. سوف أعاقبه على عدائه لك... لا تحمل هما...
- شكرا سعادتو..
- الآن هيا وانجز المهمة...
نهض مختار بنشاط.. وهم بالخروج فقال المدير مستدركا:
- مختار.. لا تنسى أن تشتري زهورا جميلة وأصايص وخلافه فغدا سيزورنا الوزير...
ثم غمز له مبتسما:
- سوف تخرج بشيء لا بأس به بعد تزبيطك للفاتورة...
قال مختار بجزع:
-أقسم لك سعادتو..
قاطعه المدير بحزم:
- لا تهتم.. أمزح معك ... المهم أنجز بسرعة..
خرج مختار وهو تائه ما بين الرضى والقلق...
أطفأ المدير سجارته قبل الانتهاء منها ؛ ثم أجرى اتصالا بهاتف المكتب الأرضي:
- سعادة الفريق يحى من فضلك... نعم.. أنا مدير الهيئة القومية .. قل له الزبير فقط...
فتح السماعة الخارجية ووضع السماعة على درج مكتبه وهي تصدر موسيقى انتظار طفولية ؛ ثم فتح أحد أدراج مكتبه ؛ وأخرج رزمة أوراق فتحها ثم تذكر نظارته ففتح الدرج الآخر وأخرجها من كنانتها ثم ارتداها وأخذ يقرأ الأوراق بعمق.
جاء صوت الفريق:
- الزبير .. ألو...
أغلق المدير السماعة الخارجية وقال:
- سعادة الفريق ... أرجو ألا أكون قد أزعجتك...نعم سعادة الفريق.. هذا هو سبب اتصالي بك بالفعل.. نعم ... حسنا أرجو أن ترسلهم صباحا لحراسة الوزير أنت تعرف أن هناك توتر هذه الأيام... بالتأكيد سعادتك .. نحن تحت الخدمة طبعا وكل الهيئة ستعمل على قدم وساق لانجاح الزيارة... نعم .. صحيح..شكرا سعادة الفريق.. شكرا شكرا..
وضع السماعة ولكنه رأى مكاوي يدلف:
-مكاوي أنا مشغول جدا .. أرجوك فغدا زيارة الوزير والوضع ملخبط جدا ومضطرب...
بدت الخيبة على وجه مكاوي الدائري ذو الملامح الطفولية لولا ربع شارب تحت أنفه ثم قال:
- ولكن يا سعادتو...
- ليس الآن يا مكاوي.. أرجوك...
هم مكاوي بالخروج فناداه مرة أخرى:
- قل ما تريده في ثلاثة جمل بدون الشكوى من أحد..
قال مكاوي بسرعة:
- زوجتي ستضع قريبا وأريد سلفة.. المدير المالي رفض وقال لابد من تصديقك..
أخرج المدير ورقة دون فيها أمرا بالصرف وقال:
- ستة آلاف جيدة أعتقد...
- جيدة سعادتو...
-حسنا وهذه خمسمائة مني شخصيا للمولود السعيد..
اخرج من جيبه المال وناوله لمكاوي الذي ابتسم وقال:
- شكرا سعادتو ... المدير المالي هذا شخص وقح جدا يا سعادتو وهو يكرهني بدون سبب إنه...
قاطعه المدير:
- قلت بلا شكوى يا مكاوي .. هيا مبروك ويمكنك أن تأخذ اجازة ثلاثة ايام بعد وضع زوجتك لحملها..
خرج مكاوي وهو بين السعادة والحنق ؛ فقال المدير:
- شخص غريب .. كئيب وكسول ... قوانين الخدمة العامة بائسة جدا وتعرقل فصل مثل هذا المتسيب وهذا ما هزم الشيوعية أمام الرأسمالية..
أجرى اتصالا آخر:
- يا عبد الصمد... طبعا تعرف أن الوزير سيزورنا غدا...نعم .. لن تغادر لمنزلك اليوم حتى تنجز لي توثيقا لكافة انجازات الهيئة منذ منتصف العام وحتى اليوم...
صمت ثم أضاف:
- لا ليس منذ بداية العام بل منذ تولي الوزير لمنصبه .. لا تنسى أن تذكر أنه لولا توجيهات الوزير الجديد لما استطاعت الهيئة تجاوز الخلل الذي خلفته السياسات السابقة على تعيينه في هذا المنصب...
صمت قليلا ثم قال:
- نعم لا تنسى أيضا أن تربط كل انجاز للهيئة بأمر أو قرار أو توجيه من الوزير...
أضاف بسرعة:
- ولا تنساني أنا أيضا... أضف هذه الجملة ضروري .. هيا اكتبها... لقد استطاعت الهيئة أن تتجاوز محنتها بفضل التزام مديرها العام السيد الزبير بقرارات الوزير وتوجيهاته الحصيفة. يمكنك بعد كتابة هذه الجملة أن تضيف دائما كلمة المدير بدون اسم لكن هذه الجملة تحديدا يجب ان تذكر فيها اسمي.. هل فهمت.. حسنا اسرع...
انفتح باب المكتب ورأى كرش خليل البارزة من جلبابه الأبيض ؛ فقال:
- مرحب يا شيخ خليل...
قال شيخ خليل بنبرة لوم:
- الصلاة يا سعادتو... انها كانت كتابا موقوتا..
قال المدير:
- سأصلي هنا فغدا سيزورنا الوزير يا شيخ خليل ولا وقت لي لصلاة الجماعة..
حنى خليل رأسه بامتعاض فقال الوزير:
- نحن نعتمد عليك يا شيخ خليل... جهز لنا آية جميلة من آيات القرآن لتلقيها على مسامع الوزير.. آية مبشرة ومشجعة ..
قال شيخ خليل:
- حسنا يا سعادتو... سأحاول البحث عن آية مناسبة للموقف.. سأذهب للصلاة..
قال المدير:
- اشحذ حنجرتك الذهبية وستنال مكافأة حلوة...
لمعت عينا خليل وقال:
- إذا كان الأمر كذلك فسأتفرغ للبحث عن آية مناسبة منذ الآن... صلاة الفرد تغني عن صلاة الجماعة وفي النهاية فكل أعمالنا من أجل الله...
- صحيح يا شيخ خليل.. هيا إذن...
خرج شيخ خليل بخطى خفيفة وجزلة.
رن جرس الانتركام فضغط المدير عليه وقال:
- قلت لك يا هالة لا أريد اي ازعاج اليوم.. لا تستقبلي اي اتصالات ولا تدخلي علي أحد...
جاء صوت السكرتيرة:
ولكن زوجتك تريد الحديث معك؟
- زوجتي من؟
صمتت هالة لبرهة وقالت بدهشة:
-زوجتك سيدي.. زوجتك..
انتبه المدير وقال:
-آه ..زوجتي زوجتي.. حسنا... اخبريها انني في اجتماع...
أصرت هالة:
- هذا هو اتصالها العاشر سيدي..
قال بنفاد صبر:
- حسنا حوليها لي..
رن جرس الهاتف وسمع صوت زوجته صارخا:
- هذه محاولتي العشرين للاتصال بك.. وانت تتجاهل مكالمتي .. وهذه الوزغة سكرتيرتك تعاملني بكل وقاحة...
- نعم ماذا تريدين...
قالت:
- اسمع يا الزبير .. إما انا او هذه العنكبوتة التي لا اعرف ماذا بينك وبينها...
قال بغضب:
- لا وقت لي لهذه التفاهات .. اذا لم يكن لديك شيء مهم فسأغلق الخط..
تهدج صوتها وقالت:
- لماذا لا تطردها ..هل تحبها لهذه الدرجة...
صاح:
- يا سيدة هذه موظفة حكومية وليست في قطاع خاص.. اللعنة عليك وعليها وعلى الحكومة وعلى القطاعين العام والخاص...
خفت صوتها وحاولت تلطيف الجو فقالت:
- لقد طبخت لك الملوخية التي تحبها ..
قاطعها:
- لن اعود الآن لدي عمل حتى المساء فغدا سيزورنا الوزير .. هيا الى اللقاء...
قالت:
- لا تتأخر..
- حسنا سأحاول الى اللقاء...
أغلق السماعة ؛ وسمع صوت السكرتيرة عبر الانتركم..
- سيد الزبير...
- نعم هالة..
- لماذا لم تتصل زوجتك عليك عبر هاتفك الشخصي...
كان يمسك اوراقا بيديه فألقاها وقال:
-صحيح..لماذا لم تفعل؟
قالت:
- يبدو أنها بدأت تشك فيك يا حبيبي...
قال:
- يا إلهي.. هذا يوم مرهق جدا يا هالة .. لا تزيديني توترا...
- حسنا ..
أدخل يده في جيبه وأخرج هاتفه المحمول... وحين حاول فتحه اكتشف انه مغلق فندت منه تنهيدة وقال بارتياح:
- الحمد لله .. اذن فقد كان مغلقا .. يبدو أنها كانت تتصل ووجدته مغلقا...
أعاد الهاتف لجيبه...

***
صدح خليل بصوته الرخيم وهو يقرأ آيات قرآنية متفرقة ؛ بدأها:ب
( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)...
قال المدير في سره مبتسما:
لو كان جائزا لقال اسم الوزير بدلا عن داود.. اختيار موفق يا شيخ خليل.. تستحق المكافأة.
ثم ارتعشت أوداج خليل وهو يتلوا بصوت مموسق خاشع:
(قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
تهللت أسارير المدير وهمس لنفسه:
- شيخ خليل يا مجنون... حقا انت رجل المهمات الصعبة..
ثم انتهى خليل تاليا وهو يرمق الوزير بنظرة ذات مغزى:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)..
حينئذ ارتاح المدير وأرخى أطرافه .. لقد سار كل شيء على ما يرام ...
قال الوزير بعد أن انتهت التلاوة:
- لابد من الصلاة الآن ونعود بعدها للاستماع لكم جميعا...
تجمهر كل موظفي الهيئة خلف المدير برفقة الوزير واتجهوا الى مسجد الهيئة حتى سائق المدير تسفاي الاريتري المسيحي وحتى من لم يعرف منهم صلاة الظهر من صلاة الجنازة ومن لم يتوضأ ، وتراص المصلون فقدم المدير الوزير لإمامتهم إلا أن الوزير قال:
- شيخ خليل هو الأولى بالإمامة...
وبالفعل تقدم شيخ خليل وبدأ في الصلاة بخشوع ...
تنازع الشيخ خليل خياران :إما أن يقتصر على سور صغيرة حتى لا يتعب الوزير أو على العكس أن يقرأ سورا طويلة حتى يتعب الوزير ويفقد تركيزه وبالتالي يضطر للمغادرة بسرعة وتنتهي هذه الأزمة.. وحين اعتقد أن المدير سيفرح إذا علم باختياره لهذا الخيار الأخير ابتسم وبدأ صلاة طويلة جدا .. صلاة ارتجفت لها سيقان الجميع بمافيهم المدير .. واضطر بعض الموظفين إرخاء ركبهم .. وأسبل البعض أيديهم أما الوزير فقد زاغت عيناه وبدأ في التثاؤب.. وحينما انتهى شيخ خليل من الصلاة... تنفس الجميع الصعداء ؛ وبدأوا في الخروج من المسجد لارتداء أحذيتهم يتقدمهم الوزير والمدير... بحث الوزير عن فردة حذائه فلم يجدها وانزعج المدير آمرا الجميع بالبحث عن فردة حذاء الوزير ، فانتشر الموظفون في أرجاء المكان بحثا عن فردة الحذاء...
قال الوزير:
- من سيسرق فردة حذاء واحدة..؟
قال المدير وقد تمكن التوتر من نبرات صوته:
-أؤكد لك يا سيدي أنه لا يوجد لصوص في هيئتنا.. لابد أن هناك خطأ ما ...
صاح:
- هيا ابحثوا .. هيا يا مختار .. هيا شيخ خليل.. هيا يا شباب... بسرعة لا نريد تعطيل الوزير...
كان الجميع ينحنون بظهورهم باحثين عن فردة الحذاء وكأنها بكتريا دقيقة لا ترى الا بالمجهر... وبما أن النهار كان حارا فقد تصبب الجميع عرقا ؛ حينها قال المدير:
- يمكنك ان ترتاح سيدي الوزير داخل المسجد ...
قال الوزير بغضب:
- لا وقت لدي... اعطني اي حذاء لأعود به..
قال المدير باضطراب عظيم:
- حسنا سيدي..كم مقاسك..
قال الوزير بقرف:
-ثلاثة واربعون...
صاح المدير:
من منكم يرتدي مقاس ثلاثة واربعين يا شباب...
رفع البعض أصابعهم ؛ فقال المدير:
- حسنا.. تعالوا وقدمو أحذيتكم للسيد الوزير ليختار الحذاء المناسب...
جاء الرجال الى حيث كومة الأحذية وأخذوا يبحثون عن أحذيتهم فقال المدير بنفاد صبر:
- ماذا تفعلون... استعجلوا لا تضيعوا وقت الوزير...
قال أحد الرجال:
-لقد وجدت فردة حذاء واحدة..
قال آخر:
- عجبا .. وأنا كذلك...
عاد جميع الرجال ليكتشفوا أن فرد أحذيتهم قد سرقت...
صاح الوزير:
- اللعنة.. ماهذه الهيئة الغريبة والعجيبة...
ثم وجه حديثه للمدير بغضب:
- هيئتك فاشلة يا سيد...
تلعثم المدير وقال:
- سيدي اقسم لك انه لا يوجد لصوص في الهيئة .. ثم .. ثم من ذاك الذي سيسرق فردة حذاء من كل زوج أحذية.. ماذا سيستفيد يا سيدي..
قال الوزير:
-ولكن هذا ما حدث...
قال المدير:
-هذه مؤامرة يا سيدي الوزير .. هذه مؤامرة لاحراج موقفك.. لكي يلوكوا سيرة كل هيئة تحت اشراف معاليكم ... أقسم أن هذا هو الغرض من هذه المسرحية.. إنهم اليساريون والعملاء والمندسون من الطابور الخامس يا سيدي...
قال الوزير:
- طيب في كل الأحوال ما هو الحل.. فحتى حرسي الشخصي سرقت فرد أحذيتهم...
قال شيخ خليل:
-إذا سمح لي سيدي المدير...
هز المدير رأسه ايجابا ووجهه مكفهر. قال شيخ خليل:
- قال تعالى:
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
فما حدث حدث لحكمة إلهية وهي أن نتآزر ونتآلف على قلب رجل واحد.. وحذاء واحد..فليرتدي الوزير فردة حذائه الموجودة وفردة حذاء أخيه المدير الموجودة وهكذا يكون ذلك بيانا بالتعاضد والتآزر ضد أعداء الوطن في كل الملمات والمحن ..
قال المدير وهو يتظاهر بالدهشة والضحك:
- لله درك يا شيخ خليل... ونعم الرأى...
وعلى مضض ارتدى الوزير فردة حذائه اليمنى وفردة حذاء المدير اليسرى وأمر حرسه الشخصي بفعل نفس الشيء... وخرج الجميع من المسجد وهم يرتدون أحذية مختلفة في كل قدم .. وقد سارع الوزير وركب السيارة وغادر حانقا...
وبعد أن اختفت سيارته قال المدير لشيخ خليل:
- هل تعرف يا شيخ خليل...
قال شيخ خليل:
- ماذا يا سعادتو..
قال المدير وهو يضع راحته على كتف شيخ خليل ليقوده إلى الداخل:
- لا أعرف من ركب هذا الخازوق في مؤخرتي يا شيخ خليل... لم احسب حسبانا لموقف كهذا... لكن حذائي هذا اشتريته بألف وخمسمائة جنيه استرليني في رحلتي الأخيرة... كان بامكاني تقديم استقالتي عن أن قبل ضياع هذا الحذاء...
قال شيخ خليل:
- عوضك الله سيدي المدير.. المهم أن هذه الزيارة انتهت بخيرها وشرها...
نظر المدير الى قدميه الحافيتين ثم قال:
- سنحصل جميعنا على إجازة لمدة ثلاثة أيام يا شباب لاسترداد أنفاسنا... هيا صيحوا وافرحوا... والقوا بفرد أحذيتكم في الهواء تعبيرا عن الفرح..فالخوازيق لا تأتي فرادى.
القى الجميع أحذيتهم خلف ظهورهم ولكن بدون أي مظاهر ابتهاج...كان كل واحد منهم يعتقد أن الآخر هو ذاك اللص وأنه كان هو المقصود من هذه المؤامرة.. حتى تسفاي السائق كان يعتقد أنه مستهدف...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى