عبد الإله مهداد - الظل

لم يكن بوسعي أن أتهم ذاك الظل الذي أمسى يقتفي أثري، لأنني وبكل بساطة لم أكن أملك الدليل، والمحاكم هذه الأيام لا تعير الانتباه لأي أحد مادام أنه لا يملك الدليل القاطع، وإن كان مظلوما...بل وقد تسخر منه وتتهمه بالجنون كما حدث لي مرات عديدة، قبل أن أتمكن من حل المعضلة بذكائي فقط، بعد ما تبين لي أن المسألة شخصية ولا تحتاج إلى تدخل القضاء. على أية حال فحكايتي طويلة لكنني سأختصرها؛ فالظل الذي أنا بصدد الحديث عنه لم يكن ظلي، بل أقسم أنه ليس ظلي!وقد كان يحل أينما حللت وينام أينما نمت...اعتقدت منذ الوهلة الأولى أن ترددي على الحانة سبب لي بعضا من الهلوسة...لكن وبعد أن تبين لي أن المسألة لا تخصني وحدي بل قد يكون صاحب الظل أيضا ! فالزمن هذا زمن العجائب... وبعد مضي أيام وبعد أن تعودت على وجوده رغم شكله المخيف و الأزيز الحاد الذي يصدره صباحا والشخير الغليظ ليلا، إلا أنه تمادى إلى مزاحمتي في السرير، ثم بعثرة المكتبة فخربشة أوراق العمل، بل وصفعي أحيانا...الحقيقة أنني حاولت جاهدا أن أتجاهله قدر الإمكان إلا أن تلك الليلة بالذات التي مازالت محفورة في ذاكرتي هي من جعلتني أتصرف ببلاهة، أركل الكراسي، أكسر الأواني، ألكم الأبواب، حتى زوجتي المسكينة عجزت عن تفسير هذه الحادثة، فخرجت من البيت حافية تجري وهي تولول في فزع... أتعرفون ماذا فعل ؟ فبعد أن دخلت البيت وأنا ألاعب مفاتيح السيارة وجدته قد انتحل شخصيتي...نعم، رغم سماحتي، ورغم الودّ المبالغ فيه الذي أتميز به - حسب ما تقوله زوجتي، إلا أنني لم أستحمل وأنا أرى وجها بملامحي يجلس على كرسيّ المفضل و يمضغ الرغيف الأبيض بتؤدة... تتساءلون ماذا فعلت ؟ أجيبكم و بكل فخر: أمسكت سكين الخُضَر وبدون أن ألفت انتباهه، اتجهت خلفه على أطراف أصابعي فغرست السكينة في ظهره بشراسة حتى خال لي أنها خرجت من بطنه بعد أن مزقت أحشاءه وبما أنه ظِلّ فلم يسل منه دم أو صديد...إنما تجزّأ إلى جزأين، ثم أربعة، ثم ستة...تكاثروا إلى أن صعب علي عدهم.. امتلأ البهو شيئا فشيئا إلى أن عجزت عن تحريك يدي اليمنى كي أقتل ظلا آخر...لكنهم اختفوا فجأة، فأدركت أنني خلصت نفسي منهم، قبل أن أتذكر أمر الجريمة التي اقترفتها، والتي قد أعاقب عليها مادام في يد الظل الدليل، مرت أيام وأنا مصاب بالهلع الشديد أراقب الباب وأنتظر طرقات الشرطة...لكن وقبل أن أنهي حكايتي فقد اتصلتُ بزوجتي، ويا للعجب: اعتبرتني مجنونا، بعد ما وقع يوم دخولي . فقد كانت آنذاك بانتظاري بعد أن أعدّت العشاء، هددتني بأن تتصل بمستشفى المجانين، لم أجادلها طويلا ففاتورة الهاتف غالية،كما أن الفرح بلغ مني مبلغا كبيرا...و كيف لا مادام الجنون حجة قوية أستطيع من خلالها أن أتنصل من المحاكمة !

* القصة افائزة بالمركز الاول في مسايقة جمعية التواصل للثقافة والابداع بالصويرة دورة القاصة زينب فهمي 2016


* نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 12 - 2016


عبدالاله مهداد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى