أحمد فنديس - مسحراتي.. قصة قصيرة

هب الرجل من نومه مذعوراً.نظر إلي ساعته فزعاً.لقد تأخر اليوم عن النهوض في موعده المعتاد ليوقظ النائمين لتناول وجبة السحور .

في السنوات الماضية كان ينام قليلاً بعد أداء صلاة التراويح لينهض فيصلي صلاة الليل.وكذلك كان الناس يفعلون.لكن الأمور تغيرت.أصبح التلفاز يؤدي وظيفة المسحراتي.أو (المصحياتي) لأن الناس تظل(صاحية) حتي صلاة الفجر لمتابعة سهراته.لم يعد في مقدور أحد أن يقرأ جزءاً من أجزاء المصحف الشريف في كل ليلة إلا من عصم ربك وأغلق تلفازه

فوانيس رمضان تبعت الموضة.فبعد أن كانت تصنع من(الصاج) والزجاج المعشق أصبحت بلاستيكية بل وموسيقية.فبعضها بعد كهربته أصبح يصدر أنغاما موسيقية.بدأت باللحن الرمضاني الشهير: وحوي يا وحوي وانتهت بـ(مكارينا)...لحن أسباني مستورد.التمر أيضا لم يسلم من التطور فها هو معروض في أحد المحال وفوق جواله لافتة مكتوب عليها(فياجرا) وبجوارها أخرى مكتوب عليها(ديانا).

لقد تطور مفهوم الشهر الكريم.كان الأطفال في السنوات الماضية يتخيلونه شيخاً جليلاً طويل اللحية طيب الملامح هادئ الصوت يمشى بتؤدة ويقضى نهاره صائما مستغفراً وليله عابداً متبتلاً منذ يحل ضيفاً في اليوم الأول منه حتى يومه الأخير وقد عوض الله الناس عن غيابه وفورأ بقدوم أيام العيد .

كان الناس يبكون وهم يسمعون أغنية تقول كلماتها: (تم البدر بدري والأيام بتجري.والله لسه بدري والله يا شهر الصيام) فيقول بعضهم:(ياريتك) سنة يا رمضان.واليوم تغيرت الصورة.أختزل الشهر الكريم في مجموعة من الوجبات والمسلسلات.أصبحت صورته عند الكثيرين تشبه صورة شاب سريع الحركة.مغرم بالوجبات الجاهزة والموسيقي السريعة .

أصبح المسحراتي بعد هذا التطور لا ينام بعد أداء صلاة العشاء...تكاسل عن قراءة القرآن...كلما مر ليلاً علي منزل ليوقظ سكانه لتناول طعام السحور وجد نوافذه مضاءة.وصوت التلفاز يخترق الآذان...حتي ما بعد الأذان..... في أواخر أيام الشهر الكريم..أخذ الرجل في الدق علي طبلته: إصحي يا نايم وحّد الدايم..لكن..لم يصح أي نائم.حاول مرة أخري.لم يصح أحد..دق طبلته مرة ثالثة ورابعة..بعد قليل اكتشف أنه يدق الطبلة......بعد آذان العصر.


د أحمد فنديس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى