فتحي أبو المجد - مقهى العواجيز.. قصة قصيرة

حين عـزفت الساعة لحن السابعة صباحاً .. نزل " مراد افندى " إلى الشارع ، يغمره الأسى والضيق ، فاليوم آخر أيامه ، في الخدمة الحكومية .. سيحال إلى المعاش .. ويودع زملاء العمل ..

شرد بذهنه إلى الوراء ، يتذكر تلك الأيام التى انقضت ، ولم يبق له منها سوى ذكريات حلوة عـذبة ، يتأملها كشريط سينمائى أمام عينيه .. يؤدى عمله بانتظام ونشاط طوال سنين طويلة ..

أفاق من شروده عـلى صوت بائع الصحف النشيط .. قال لنفسه في أسى :

ــ" لن ألقاها بعـد اليوم عـلى مكتبى كل صباح ، فأ تصفحها في نشوة مع رشفات من فنجان القهوة .."

اشترى جريدته ، ومشى لا يلوى على شيىء .. بعـد دقائق كان أمام بناية عالية .. هفت نفسه أن يحطم روتين حياته المعتاد ، تقدم ليدخل المبنى .. فجأة غير وجهته .. دخل مقهى مجاوراً .. جذب كرسياً بيد مرتعشة وجلس .. فهذه أول مرة يرتاد فيها مقهى .. قبع في مكانه مطرقاً حزيناً ، وسط سحابة الدخان الخانقة المنبعـثة من مباسم نارجيلات القوم ومن أفواههم .. يتناهى إلى سمعه قرقعات الدومينو الصاخبة تنبعـث من عـلى نضد مجاور له .. تعـلو عـليها أصوات اللاعبين المشتعـلة بالحماس ..

ــ " شـيش بيـش ... جهار يـك ... دوبارة ... " .

جاءه النادل بسرعة .. تكلم في ارتعاش :

ــ " فنجان قهوة من فضلك " .

لفت نظره أن كل رواد المقهى فى مثل سنه ، لفه الملل .. ففرد جريدته أمامه في يأس .. قلب الصـفحات كعادته ببطء .. التقط الحروف والكلمات من خلف زجاج منظاره السميك ــ تصعـيد خطير في حرب الخليج ــ 1000وحدة سكنية للمتزوجين حديثاً ــ مزارع يقتل شقيقه بسكين ـــ تعـلن محلات بيومي للأحذية بوسط البلد عن حاجتها إلى كاتب حسابات على المعاش بمرتب مجز ..

التقـط أنفاسه اللاهثة .. طوى الجريدة بسرعة .. وقف مغادراً المقهى .. بينما يأتى النادل سريعاً بفنجان من القهوة .. يلاحظ النادل ، خروج الرجل .. ينادى عـليه :

ــ " القهوة يابيه " .

فيأتيه صوت الرجل جاداً من بعـيد :

ــ " شكراً يا عزيزي !! وعـلى شفـتيه ابتسامة عـريضة .. وتمـتمات بالحمد والشكر ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى