جعفر الديري - صادق جلال العظم: لا حال أفضل للإسلاميين

توقع المفكر والأكاديمي السوري صادق جلال العظم زيادة الإسلاميين في المستقبل في كل مكان غير أنه لن يكون حالهم أفضل من حال الكثرة الموجودة حاليا من الشيوعيين بعد زوال الاتحاد السوفياتي والكثرة الموجودة من الناصريين بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها العظم في مركز الشيخ بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث مساء الاثنين 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري والتي جاءت بعنوان "إسلام وإرهاب".
ومهد العظم لمحاضرته بقوله «كنت في اليابان، أستاذا زائراً في جامعة «كوموكو» في مدينة «سنداي» حين صدمت الطائرات المخطوفة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وقلعة البنتاغون (وزارة الدفاع) وما أن تيقنت من أن المشهد الذي كنت أتابعه على شاشة التلفزيون هو حقيقة وواقع حتى انتابني شعور بدائي أولي بالشماتة على الأميركيين لم أتمكن من ضبطه وشعرت بأن ملايين الملايين في العالم العربي وخارجه تشاركني هذا الاحساس. سألت نفسي بعدها: لماذا هذا الإحساس بالشماتة على رغم المبدأ الراسخ في وجداننا بأنه لا شماتة في الموت؟! لقد ارتبكت بيني وبين ذاتي اذ كانت الأرقام المتداولة وقتها تشير الى أن عدد ضحايا انهيار البرجين يبلغ ستة آلاف انسان وأربكتني عشوائية القتل واستعراضيته الصارخة وقد أخذت تفسيرات وتسويغات ومبررات كثيرة تضغط عليّ بحثاً عن تعليل لإحساس الشماتة الذي طفا فجأة على السطح ذلك أن أخبار فلسطين والانتفاضة كانت بمنتهى الرداءة في تلك الفترة وكان وقعها سيئا علي وكان هناك أيضاً المجاهدون الذين رعتهم الولايات المتحدة ومولتهم وأعدتهم لأغراض معينة وها هم ينقلبون عليها ويوجهون إلى صدرها مجموع ما كانت قد علمتهم اياه من فنون التدمير ومهارات التخريب وخبرات النسف بالديناميت، وسألت نفسي: ما هو الارتياح الناجم عن رؤية السحر وهو ينقلب على الساحر ورؤية الصنيعة تطيح بالصانع؟
هجوم استعراضي
وأضاف العظم «إذا كان يوجد فعل عنف مجاني يائس ومجهول للعمل الإرهابي النموذجي - كما يعرف «كونراد» - فإنه الهجوم الاستعراضي الفاقع الذي نفذه إسلاميو تنظيم القاعدة على مركز التجارة العالمي بنيويورك بصفته أعظم معلم دولي على التفوق العلمي والصناعي والتجاري وأكثر نظم ضبط حسابات حركة المبادلات المالية التجارية تقدماً في العالم في وقتنا الحاضر. ويكمن الجزء الأول من جنون هذا العمل في آثاره التدميرية الماحقة على أصحابه أنفسهم من المخططين والمنفذين له، أي على الحركة الاسلامية الجهادية العالمية بنفسها وعلى شبكات تنظيم القاعدة المنتشرة في كل مكان تقريبا وعلى المؤسسات والدول المؤيدة لها أو الداعمة لنشاطها أو الحامية لكوادرها بما في ذلك نظام حكم طالبان البائد أما الجزء الثاني من هذا الجنون فيكمن في المشهد العربي للدولة «السوبر» عظمى في ما بعد الحرب الباردة والدولة المنتصرة في تلك الحرب وهي تقف عاجزة عن حماية نفسها ممن لا يتعدى مستواها بالطائرات التجارية العادية وقطاعات علب الكرتون في اللحظة التي كانت فيها هذه الدولة العظمى تعد نفسها لبناء أعظم درع صاروخي واقٍ لأراضيها استناداً إلى أرقى أنواع التكنولوجيا وإلى آخر ما توصل اليه الخيال العلمي في هذا الميدان".
آثار مدمرة
وفي إشارة الى بعض الحركات الارهابية التي اعتبرها مسئولة عن الكثير من النتائج المدمرة ذكر العظم «ان في ذاكرتنا القريبة النسبية أمثلة ثانية عن أفعال ارهابية تقترب هي الأخرى من تعريف كونراد للعمل الارهابي النموذجي بمعايير زمانها وأقصد بذلك اختطاف الصناعي الألماني «هانز» وقتله في العام 1977 في ألمانيا ومن ثم الاختطاف والقتل المشابهين بعد عام تقريباً لعميد زعماء إيطاليا السياسيين بعد الحرب العالمية الثانية على يد تنظيم الألوية الحمراء اليسارية الإيطالية. وهنا أيضاً جاءت النتائج المدمرة ماحقة ساحقة على أصحاب العمل الارهابي المشهدي الهائل بمعايير تلك الفترة وعلى المخططين والمنفذين له وعلى شبكة العلاقات والتنظيمات المؤيدة له والداعمة لنشاطه والحامية لكوادره وعلى الحركات اليسارية الراديكالية عموماً بالاضافة إلى الأنظمة الشيوعية المعروفة. لذلك يبدو لي واضحاً الآن أن الارهاب اليساري الذي عرفته أوروبا الغربية في سبعينات القرن العشرين كان في العمق محاولة يائسة لكسر الانسداد التاريخي الذي نعرف اليوم أن الحركة الشيوعية كانت قد وصلت إليه".
محاولة للخروج
وأضاف العظم «إذ كان الارهاب المذكور محاولة أخيرة في بعض البلدان الرأسمالية المتقدمة للخروج عمقاً وعنفاً من حال الاحتضار الناجمة عن الأزمة البنيوية الحادة التي كانت قد بلغتها كل من الحركات العمالية الراديكالية في الغرب والنضالات العالم ثالثية المعروفة والاتجاهات الثورية في كل مكان وذلك عن طريق اللجوء إلى الفعل العنفي المباشر بدلاً من الانتظار الذي لا ينتهي حتى تنضج الظروف الموضوعية والشروط الذاتية معها لثورة اشتراكية ناجحة في بلد من بلدان الغرب. كان العنف الارهابي الذي مارسته تنظيمات مثل الألوية الحمراء في إيطاليا والعمل المباشر في فرنسا فاقعاً في مشهديته استعراضياً في صخبه وهائلاً في وقعه وقتها ولكنه كان أيضاً يائساً في اقتحاماته وعدمياً في أهدافه وخائباً في حصيلته حتى بمعايير تلك الفترة من الزمن ومقاييسها، بعبارة أخرى أعتقد أننا ندرك بموقعنا اليوم أن إرهاب تلك المرحلة شكل واحدة من الصور التي ظهر فيها ذلك الانسداد التاريخي كما شكّل المدخل إلى انحلال تلك الحركات والاتجاهات والنضالات وسقوطها ومن ثم تلاشيها بما في ذلك الشيوعية عالمية بأنظمتها المعروفة".
محاولة أخيرة
وخلص إلى القول «ويبدو لي واضحاً اليوم أن العمل الإسلامي المباشر بارهابه المشهدي غير المسبوق وعنفه العدمي التصاعدي واقتحاماته الاستعراضية اليائسة يشكل هو الآخر محاولة أخيرة من جانب النواة الصلبة للاسلاميين الراديكاليين لكسر الانسداد التاريخي الذي حطت عنده الحركة الاسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين وللخروج من حال الاحتضار الناجمة عن الأزمة البنيوية التي استحكمت بها خصوصاً من الاخفاق الكلي للتجارب التي قدمت".
تفكير سجالي
في تحديده لبنية محاضرة العظم قال الناقد البحريني عبدالله خليفة «ان المحاضر اتجه في محاضرته إلى تحليل مجموعة من الصور الأدبية المتعددة لكي يحلل الصورة السياسية وهو تفكير سجالي يركز على الظواهر الفوقية السياسية. فعندما نريد مناقشة الاسلام فلابد من دراسة البنية الاجتماعية والتغلغل فيها كي نعرف ما هو هذا الاسلام الذي أنتج مثل هذه الظواهر، ذلك أن عدم الدخول الى البنى الاجتماعية وكشف صداماتها وصراعها وصيرورتها التاريخية قاد المحاضر الى القيام بتحليلات عامة وفضفاضة ودمج بين أنظمة اجتماعية مختلفة كأنظمتنا التقليدية ومن ثم الاقطاعية الى أن حلل الأنظمة الغربية وقام بتعميمات أدت الى نتائج غير دقيقة في السياسة كالتوصيات التي خرج بها. فمثلا عندما نتناول الاسلام ونكثف السؤال عنه كحركة تاريخية نشأت في مكة كثورة للتجار والعبيد مشتركة وخلقت نهضة كبرى وبعد ذلك استولى عليها الأشراف والاقطاعيون وأفرغوها من محتوياتها النهضوية، بينما المسلمون والفئات الوسطى في العواصم المختلفة حاولت أن تؤسس جوانب أخرى للاسلام.
بينما أشارت الباحثة منى عباس فضل الى مسألة الشماته «لقد تناول المحاضر مسألة الشماتة بكل دلالاتها المباشرة وغير المباشرة وعمم الحال التي كان يشعر بها على كل العرب والمسلمين وقال تحديداً انه كان يشعر في تلك اللحظة أن ملايين الملايين يشعرون بما يشعر به، وأنا أختلف معه في ذلك، فمسألة الشماتة لو أخذت بشكلها الظاهري فإن الصهاينة كانوا يصفقون ويطبلون في الشوارع يوم موت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وقبل أن يموت حتى عند انتقاله من رام الله إلى فرنسا وكانت واضحة على محيّا شبابهم وكبارهم وتصريحات مسئوليهم. أمر آخر لقد قرأنا عن حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول كثيراً ووجدنا أن هناك الكثير من الفرضيات بخصوصه إذ إن هناك فرضية المؤامرة، وهناك القاعدة وبن لادن ولكن لاحظت على العظم أنه ركز بشأنها على فرضية أساسية وهي أن المسلمين وراء الحدث وأعطى تحليلا للواقع العربي عن ذلك. ونحن قد لا نختلف بجزئية مع المحاضر في هذا التحليل لأن المسألة تجرنا إلى مستقبلنا - من الواقع إلى المستقبل إلى سؤال ما العمل - فهل العمل تجاهل المستقبل المضيء في ثقافتنا العربية والاسلامية وأن نركز فقط على كل السلبيات التي ذكرها".
أما الأكاديمية منيرة فخرو فتساءلت عن التوصيات ومن الذي سيقوم بها: «من الذي سيقوم بالتوصيات التي خرج بها المحاضر، هل هي القبلية أم المؤسسة الدينية، أم المجتمع المدني الذي لايزال في جميع الأقطار العربية في طريقه الى النمو والقوة بينما نرى أن الغرب وبالذات الولايات المتحدة وأوروبا يحاولون تطوير المجتمع المدني، فهل نتوقع أن يشهد مجتمعنا المدني الدور الذي قام به في أوروبا الشرقية مثلا من تغيير للأنظمة بهذه الصورة التي تعطي المجتمع المدني أكثر من قوته الحالية؟".
الوسط البحرينية العدد 839 - الأربعاء 22 ديسمبر 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1425هـ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى