تشانغ تشون - مدينة السعادة.. ترجمة عن الصينية مي عاشور

إن ليل وصباح مدينة ما ، يحكيان قصصًا مغايرة تمامًا.

عندما نظرت من أعلى المبنى ، رأيت أنوار مدينةتشانغ تشون المبهجة،مما دفعني إلى السير فوراً في شوارعها، لاكتشاف تلك الحكايات التي تنتظرني هناك.

مدينة تشانغ تشون تقع في مقاطعة جي لين ، شمال شرقي الصين ، وهي عاصمة المقاطعة وتعد مركز الدائرة الإقتصادية لشمال شرق آسيا ، تبعد عن بكين ساعتين بالطائرة، و خمس ساعات بالقطار فائق السرعة.

شاركت في برنامج للصحافين الأجانب نظمته إذاعة الصين الدولية لزيارة مدينة تشانغ تشون، وذلك بمناسبة مرور 40 عامًا على الاصلاح والانفتاح. مما أتاح لي فرصة التعرف أكثر على المدينة، والكتابة عنها.

تم اختيار تشانغ تشون لسبع مرات لتتوج بلقب “مدينة السعادة” ، فثمة شعور بالبهجة, يتسلل إلى داخلك عندما ترى مناظرها ليلاً أو نهاراَ . بدأت الحكومة هناك فمذ عام 2007 ، في إقامة مشروعات مختلفة للارتقاء بحياة المواطنين والرفع من مستواهم المعيشي.

قد توحي لكَ تشانغ تشون من اسمها ، أنها مدينة الربيع الطويل ، وهذا المعنى مجازي بالطبع، ففي الصينية، كلمة 长 تشانغ يعني طويل، وكلمة تشون 春 تعني ربيع ، مما قد يترك هذا الاسم انطباعًا عميقًا في نفسك بمجرد أن تسمعه. في تشانغ تشون تغطي المساحات الخضراء 41.5 % من مساحتها الحضرية، فلقبت باسم:“النموذج الوطني للمدينة صديقة البيئة” ،وكذلك “ النموذج الوطني للمدينة الخضراء”، كما أن بها أكبر غابة صناعية في آسيا بأسرها. ويطلق على تشانغ تشون أيضًا:“ مدينة السيرات"، "مدينة العلوم، والتعليم، والثقافة"، "مدينة الأفلام”…وغيرها.

وأكثر ما يضفي تشانغ تشون جمالاً، هو جريان نهر يي تونغ بها Yi Tong ، وهو النهر الأم للمدينة ، يبلغ طوله 343.5 كيلو متر ، يمر و 48 كيلو منه بداخل المدينة. كما ورد عن النهر في صحيفة الصين اليومية، أن هذا النهر واحد من الموارد المائية الأساسية للزراعة والصناعة ، وكما أنه يلعب دوراً هامًا للتوازن البيئي في للمدينة.

أهم جائزة في المهرجان هي جائزة الغزالة الذهبية، وتم ترشيح 15 فيلما لهذه الجائزة، وتركز الجائزة، بشكل عام، على الشباب وتشجيعهم، والتأكيد على دورهم في المشاركة في صناعة السينما.

يتميز شمال شرق الصين ومن ضمنها مقاطعة جي لين بوجود التربة السوداء، وهي من أفضل أنواع الترب الزراعية على الإطلاق، تتميز بخصوبتها ، وهي مناسبة تمامًا لزراعة الحبوب والبقول، فيعد انتاج جي لين للحبوب وافر وضخم. فهناك مقولة شعبية صينية تقال في وصف التربة السوداء:“ إذا ضغط على التربة السوداء فستخرج زيتاً، ولو غرست فيها عيدان الطعام ستنبت”.

في الحقيقة أن سفر يمنح للمرء كل ما لن يجده في كتاب، وأرى أن كتابة هذا النوع من المقالات تساعدني على التعرف أكتر وبكثب على ملامح المدن، وطباع البشر، وألوان الثقافة في كل مكان أذهب إليه. وكانت هذه فرصة رائعة لرؤية شمال شرق الصين، والذي وجته مختلف تمامًا عن كل المدن السابقة التي زرتها.

تزامن مع زيارتنا للمدينة حدث يعتبره أهل المدينة بل والصين كلها حدث كبير; وهو مهرجان تشانغ تشون للأفلام الصينية، وكانت الدورة 14 للمهرجان تحت شعار “عصر جديد، مهد جديد، قوة جديدة”.

يقام المهرجان كل عامين، حيث كانت انطلاقته الأولى عام 1992، وساهم بشكل كبير في إثراء وتقدم صناعة السينما الصينية. ويعد مهرجان تشانغ تشون للأفلام واحداً من أهم مهرجانات الأفلام في الصين، ويعود الأمر في ذلك إلى أن أول استديو لإنتاج الأفلام في الصين الحديثة أسس هناك عام 1945، حيث انتج هذا الاستديو 1000 فيلم ، ودبلج حوال 1000 فيلم دولي ، والذي تحوّل لاحقًا إلى متحف يعرض تاريخ الأفلام الصينية، وبعض معدات التصوير القديمة والإكسسوارات، وصور للفنانين والمخرجين…إلخ. قمت بزيارة هذا المتحف أيضًا ، كانت هناك قاعة تعرض صور من أفلام لخمسين دولة مختلفة ومنهم صورة من فيلم “أيامنا الحلوة” لعمر الشريف وفاتن حمامة.

يطلق على تشانغ تشون أيضًا "أكثر مدن المعارض تأثيراً في الصين" ، فهناك يقام معرض السيارات، والمعرض الزراعي، والمعرض الفني للنحت. كما أن في مدينة تشانغ تشون ثلاث صناعات مهمة تشتهر بها، وهي صناعة السيارات، وعربات القطارات، والمنتجات الزراعية. والجدير بالذكر أن أول مصنع لصناعة السيارات في الصين انطلق من هناك.

إن تشانغ تشون متقدمة تكنولوجيا أيضًا ، بها عدد من المعاهد والجامعات والمصانع والشركات التكنولوجية المختلفة، قمنا بزيارة شركة لانتاج الأقمار الصناعية التي تخدم الأغراض المختلفة، وكان أكثر ما لفت انتباهي، هو ذلك القمر صناعي يستخدم في رصد حركة المرور، ويمكنه أن يقوم باحصاء سرعة وعدد السيارات بشكل دقيق.وكذلك هناك طيارة تم تصنيها، لتسطيع الطيران لمدة 6 ساعات تقريبًا بدون طيار، وتستطيع رصد المساحات الشاسعة وتصويرها بشكل مفصل، ومعرفة حجمها الخ.

ستشهد مدينة تشانغ تشون افتتاح حديقة تشانغ تشون البيئية للثقافة المياه ، في أكتوبر المقبل والتي تبلغ مساحتها 302 متر مربع ، والتي ستكون مفتوحة أمام جميع المواطنين بالمجان، قام مهندسون صينيون متميزون بتخطيتها وتصميمها.

قمنا بزيارة مناطق سكنية بسيطة، قامت الدولة بإصلاحها وتجديدها، وتوفير الخدمات المختلفة فيها، حتى كبار السن ، وضعوا في الحسبان، فكانت هناك أماكن مخصصة للجلوس لهم،وأخرى لكي يمارسوا فيها الرياضة. سعت الحكومة للارتقاء بمستوى المعيشة للمواطن الصيني، وتوفر له الحق في حياة كريمة، وهذا داخل إطار خطة واضحة وملموسة، ففي هذه المناطق صورا ًقبل التجديد وبعده، بالطبع كان الفرق شاسعاً، تحولت هذه المناطق من أماكن شبه عشوائية إلى أماكن منظمة، تليق بمدينة تسعى إلى التقدم والرقي، على المستوى الدولي لا المحلي وحسب.

قامت البلدية بتشانغ تشون ببناء حدائق أشبه بالنوادي الرياضية، وهذه الحدائق مصممة على الطراز الصيني التقليدي، بها نهير ، وتلال صغيرة، وأحجار ، ونباتات، وكأنها جزء من غابة فاتنة الجمال تتوسط المدينة.

خلال رحلتي إلي تشانغ تشون لاحظت طباع أهلها المختلفة، وربما هذه طباع أهل الشمال الشرقي للصين، فهم ودودون جداً ويتميزون بالبساطة والتلقائية. كنت أريد الذهاب إلى المكتبة لشراء بعض الكتب ، ولكن كان الجدول اليومي للرحلة مشغول جداً، نعود معظم الوقت في المساء ، فأجد المكتبة مغلقة. وعندما علمت فتاة من أهل المدينة برغبتي في شراء الكتب، قالت لي أن يمكنها أن ترسل لي أي كتب احتاج إليها إلى مصر، فقط يكفي أن اخبرها بعناوين الكتب.

الصين بلد شاسع، به مقاطعات كثيرة وكل مقاطعة تختلف عن الآخرى من حيث الثقافة واللهجة والعادات والقوميات والمأكولات. اتمنى أن استطيع استكمال رحلاتي في الصين إلى مناطقها المختلفة، لاكتشف المزيد عنها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى