أحمد رجب شلتوت - الرواية فن البحث عن الإنسان

الرواية صاحبت الإنسان في كل تجلياته، وهي أيضا تشبهه كثيرا حد التطابق في قدرته على التطور والتجدد والاستمرار.
السبت 2019/01/26
2_3.jpg

فن البحث عن الإنسان
القاهرة - تؤكد أبحاث جديدة أن لقراءة الروايات فوائد جمة، فهي تثري معجم القارئ، وتنقله إلى أكثر من عالم ليعيش مئات التجارب والحيوات ونختبر عشرات المشاعر، التي ما كنا لنفهمها لولا انتحال شخصيات الروايات المختلفة التي تصبح جزءا أقرب للحقيقة منه إلى الخيال.

وفي هذا الإطار يناقش الكاتب المصري أحمد رجب شلتوت في كتابه الجديد بعنوان “فن البحث عن الإنسان” صيحة العلاج بالرواية، ليثبت أن لفن الرواية بالفعل دورا في البحث عن الإنسان، مؤكدا التصاق الفن الروائي بالإنسان، سواء بسبر أغواره أو بصنع حياة جديدة له، ونقل عن أورهان باموك قوله “الروايات حياة ثانية مثل الأحلام، تكشف لنا عن الألوان والتعقيدات في حياتنا، وهي مليئة بالناس، وبالوجوه، والأشياء التي نشعر بأننا نعرفها من قبل”. فعندما نقرأ رواية نتصور أنفسنا في وسط الأحداث الخيالية والشخصيات، نشعر بأن عالم الرواية هو أكثر واقعية من الواقع نفسه، وغالبا ما يعني هذا أننا نستعيض بالرواية عن الواقع، أو على الأقل نخلط بين الروايات والواقع، ولكننا لا نتذمر من هذا الوهم، نحن نريد للرواية أن تستمر ونأمل بأن هذه الحياة الثانية تظل تستحضر فينا مشاعر متناغمة مع الواقع.

ويذهب الكاتب إلى أن الرواية بالنسبة إلى كاتبها ولقارئها على السواء هي فن البحث عن الإنسان، إذ اكتشفت الرواية بطريقتها الخاصة، وعبر مسارات تطورها الأبعاد المختلفة للحياة واحدا إثر الآخر، فاستقصت عند نشوئها على يد ثربانتس طبيعة المغامرة البشرية، ثم غاصت في مرحلة تالية داخل الإنسان كاشفة عن الحياة السرية للمشاعر البشرية، ومع جوستاف فلوبير حطت على أرض الحياة اليومية، ثم تسبر أغوار الزمن مع بروست وجويس، ومع آخرين تبحث في التاريخ أو تستلهم الأساطير، وهكذا صاحبت الرواية الإنسان في كل تجلياته، وهي أيضا تشبه الإنسان في قدرته على التطور والتجدد والاستمرار، لذلك تمنح نفسها دائما حيوات جديدة.

وفق هذا التصور للرواية وأهميتها لقارئها انطلق شلتوت في قراءات متوالية لعشرين رواية سواء مكتوبة باللغة العربية أو مترجمة إليها، وقد انتقى من المدونة الروائية عبر العالم ما يتفق مع رؤيته تلك، وقد بدأ بقراءة السيرة الذاتية لهيرمان هيسه منطلقا من ملاحظة أنه اتخذ لنفسه عند بدء حياته الأدبية اسما مستعارا، وأن شخصيات رواياته كانت أقنعة له، فاسمه هرمان هيسه يحيل إلى”هـ . هـ” في
”رحلة إلى الشرق”، و”هاري هالر” في “ذئب البوادي”، و”هيرمان هالنر” في “تحت العجلة”. فكأنه كان يكتب نفسه لكن الرغبة في الاختفاء عن القراء دفعته إلى اتخاذ اسم مستعار يتخفى خلفه، فرغبة الكاتب في غيابه الجسدي تمثل المضمون الحقيقي لقصة حياة هيسه، ثم يتناول رواية “مشوار المشي”
لروبرت فالزر، عارضا من خلالها مأساة كاتبها الذي مات كبطل إحدى رواياته وحيدا إثر مشوار مشي.

ومن روائيي مطلع القرن العشرين إلى روائيي القرن الجديد يبحث عن الإنساني في رواية “يتحدثون بمفردهم” للكاتب الأرجنتيتي أندريس نيومان، التي تحدثنا عبر ثلاثة أصوات عن الموت، وكيفية التعامل معه كشيء على وشك الحدوث ليس فقط لشخص نحبه، بل على نحو ما موت معنوي لمن يعايشونه أيضا.

ومن بين الروايات العربية الحديثة يتوقف الكاتب عند أحدث روايات واسيني الأعرج “ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثة مئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية”، حيث يسرد حكايات مي زيادة لتكشف عن تاريخها الشخصي، وأيضا عن الظلم الاجتماعي الذي تعرضت له من أهلها وأصدقائها والجماعة الثقافية التي باعتها. كذلك يتوقف كثيرا عند معضلة الهوية من خلال رواية “قيد الدرس” للروائية لنا عبدالرحمن، التي التقطت شخصيات روايتها ممن يعانون الشتات واقتلاع الجذور ويحيون بلا هوية، وإذا كانت شخصيات لنا عبدالرحمن تبحث عن هوية فشخصيات عمار علي حسن تبحث عن “خبيئة العارف”، بينما بطله يرحل في المكان تقصيا لحكايات وأخبار تعينه في الوصول إلى الكنز، لكنه يلحظ أن حمّى نبش المقابر، وحفر الأرض، بحثا عن المخبوء في باطنها لا تصل إلى شيء ويكتشف أن كنزه في قلبه. على العكس من نيكولا في رواية صبري موسى “فساد الأمكنة” حيث يهرب من صخب وفساد المدن ويلوذ بنقاء وسكون جبل الدرهيب، لكنه يحمل، هو وكل من لاذ بالمكان، بذرة الفساد بداخله.

وهكذا تتواتر الروايات وتتوالى القراءات فنلتقي بشخصيات حقيقية كمارسيل بروست وجيمس جويس في رواية “ليلة العالم” للبلجيكي باتريك روجيه، أو شاوشيسكو في رواية تتناول أيامه الأخيرة، والعقيد القذافي قبيل سقوطه في رواية ياسمينا خضرا “ليلة الريس الأخيرة”، كما نلتقي بشخصيات متخيلة في روايات رزان المغربي وناصر عراق ووائل وجدي وغيرهم ممن يبحثون عن الإنسان في نصوصهم الروائية.

ونذكر أن كتاب “فن البحث عن الإنسان” صدر أخيرا عن وكالة الصحافة العربية – ناشرون.

zzzz_3.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى