أحمد رجب شلتوت - شكسبير ليس هاملت ولم يكن يكره السفر وزوجته

كتاب يسعى إلى تفكيك ودحض أكثر الخرافات رواجا حول شخصية الشاعر والكاتب المسرحي الأشهر وليم شكسبير.
السبت 2019/01/19
shakes.jpg

القراء اليوم في العالم كله يفترضون أن شكسبير كان أشهر كتاب عصره
تتسم الخرافات بطبيعة ديناميكية فهي تتغير وفقا للتطورات التاريخية والثقافية، وترى كارين أرمسترونج في كتابها “تاريخ موجز للخرافة” أن الخرافة “مصممة كي تكون مؤثرة، لا كي تكون صحيحة”، و أن البشر كائنات تسعى إلى الخرافة، بمعنى أنهم كائنات تستهويها الحكايات.

من هذا الفهم لطبيعة ومعنى الخرافة انطلقت لوري ماجواير وزميلتها بجامعة أكسفورد إيما سميث في كتابهما ”أشهر ثلاثين خرافة عن شكسبير”، وقد نشرته مؤسسة هنداوي بالقاهرة، بترجمة أحمد محمد الروبي، وقد عملتا في كتابهما على تفكيك أكثر الخرافات رواجا حول شخصية الشاعر والكاتب المسرحي الأشهر وليم شكسبير.

ويبدأ الكتاب بخرافة تتعلق بشهرة شكسبير في عصره، فالقراء اليوم في العالم كله يفترضون أن شكسبير كان أشهر كتاب عصره، وهذا ما يفسر عدم اندثار أعماله بتوالي مرور القرون عليها، هنا يؤكد الكتاب نسبية مفهوم الشهرة، وضرورة التفرقة بين الشعبية في ميدان المسرح والشعبية في مجال الأعمال المطبوعة. ويصل الكتاب إلى نتيجة أن شكسبير استمد شهرته الأولى من شهرة فرقة رجال اللورد تشامبرلين التي كتب لها بعض مسرحياتها، فلا يمكن أن يكون تزايد شهرة ونفوذ الفرقة راجعا إلى مسرحيات شكسبير وحدها، بل الفائدة كانت متبادلة بينه وبين الفرقة.



willi.jpg

الخرافة "مصممة كي تكون مؤثرة"


وعن عدم تلقي شكسبير لأي تعليم، فيخلص الكتاب إلى أنه تلقى تعليما ساعد على تأسيسه في الأدب الكلاسيكي، لكنه واصل البناء على هذا الأساس المتين بنفسه.

وعن خرافة كراهية شكسبير للسفر وعدم ارتحاله، يوضح الكتاب أن الرحلة من مسقط رأس شكسبير في “ستراتفورد- أبون- أفون” إلى لندن هي الآن نزهة لا تستغرق سوى ساعتين، لكنها كانت في القرن السادس عشر رحلة شاقة. لذلك عندما يُزعم أن شكسبير لم يسافر قط، فالمقصود أنه لم يتخط حدود إنكلترا، مع أن مسألة سفر شكسبير إلى أوروبا هي إحدى الفرضيات التي تسد فجوة السنوات المفقودة المزعومة في حياته خلال الفترة بين عامي 1588 و1591، حيث لا يوجد أي دليل يثبت أماكن تواجده أو أنشطته. لكن إذا لم يكن شكسبير قد ارتحل خارج إنكلترا فمن أين عرف بالحكايات التي عرضها في مسرحياته “سيدان من فيرونا”، و“روميو وجولييت” و“تاجر البندقية” وغيرها من مسرحيات تدور أحداثها في إيطاليا، و”هاملت” التي تجري في الدنمارك؟ هنا تقول الكاتبتان: وكيف ارتحل شكسبير
في عدد من مسرحياته إلى اليونان القديمة، وإلى روما القديمة، وأماكن أخرى كانت مسرحا لأعماله التاريخية، “الإجابة هي أنه ارتحل قارئا، محمولا على صفحات الكتب؛ فهو لم يقصد هذه الأماكن، ولكن قرأ عنها”.

مات شكسبير بعد شهر واحد من كتابة وصيته التي شغلت ثلاث صفحات كل منها ممهورة بتوقيعه، ولا يوجد بها ذكر لأي كتب أو أوراق ضمن الممتلكات الْمزمع توزيعها.

وقد اشتهرت الوصية شهرة واسعة بسبب غرابة أحد بنودها وهو “أهب زوجتي ثاني أفضل أَسِرَّتي مع الأثاث”، فقد اعتبر البعض في هذا البند دليلا على كراهية شكسبير لزوجته، وقيل إنها حملت منه قبل الزواج فابنته سوزانا ولدت بعد أقل من ستة أشهر من الزواج، كما أنها كانت تكبره بثماني سنوات، كانت تلك إحدى الخرافات الشائعة لكن الكتاب يفندها بالرجوع إلى تقاليد عصر شكسبير، فأيامها كان أفضل الأسِرة يُخَص للضيوف؛ ولذا فإن التَّركة رومانسية الطابع، وليست دليلا على زيجة تعسة.

كما ربط الكثيرون بين اسم ابن شكسبير هامنت واسم بطل مسرحيته الشهيرة هاملت، حتى أن فرويد اعتبرهما شخصا واحدا، والسبب في ذلك هو أن التراجيديا التي يؤدي هاملت دور البطولة فيها تدور عن العلاقات بين الأب والابن.
وهي أيضا مسرحية أسيرة التأملات في الموت.

وكذلك كان عقل مؤلفها بحسب ظن البعض، فقد كان الأسى جزءا من مخزون شكسبير الإبداعي لوفاة ابنه ثم عمه وأبيه، وهذا انعكس على المسرحية. لكن هذا يتجاهل أن الحبكة مستوحاة من أسطورة دنماركية، يُدْعَى فيها البطل المنتقم أملوثي، وقد أسماه شكسبير هاملت، كعادته في تبديل الأسماء الموجودة في مصادره.

أما عن اتهام شكسبير بسرقة مسرحياته، فالكتاب يشير إلى أمرين، أولهما الصدام بين ثقافات المحاكاة المنتمية إلى عصر النهضة بثقافتي السرقة والأصالة المنتميتين إلى العصرالحديث، وثانيهما أن أغلب مسرحيات شكسبير لها مصدر واحد محدد، فإن كان سارقا فهو يسرق نفسه، فكلما يرتقي شكسبير في مشواره الأدبي، نجد أن مسرحياته الخاصة السابقة هي التي ينتفع بها مصدرا لمسرحياته التالية.

ونظرا لأن سيرة الرجل حافلة بالخرافات التي ظلت تتراكم حوله طوال حياته، بحيث يتطلب تفكيكها وتفسيرها وقوفا على هذه السيرة، فإن الكتاب من هذه الناحية يقدم ما يمكن اعتباره “سيرة حياة شكسبير”، منذ القصة الشائعة حول صيده للغزلان في مطلع شبابه، مرورا بتفاصيل زواجه، ومحاولات استكشاف السنوات الضائعة أو غير الموثقة من حياته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى