أحمد رجب شلتوت - ثلاثون نصا روائيا تقدم صورة لمشهد أدبي عربي حاشد

الأكاديمي المصري يسري عبدالله يستجلي الواقع الروائي المصري والعربي، على نحو علمي، يعي ماهية النص الروائي وجمالياته وبنياته المنفتحة على الواقع.
السبت 2019/01/12
yooo.jpg

يسري عبدالله: النقد يجب أن يمارس دورا مسؤولا
القاهرة – يعتبر كتاب “جماليات الرواية العربية… أبنية السرد ورؤية العالم” الخطوة الثالثة في المشروع النقدي للأكاديمي المصري يسري عبدالله، بعد كتابيه “الرواية المصرية.. سؤال الحرية ومساءلة الاستبداد”، و”جيل السبعينات في الرواية المصرية.. إشكاليات الواقع وجماليات السرد”. وهو مشروع يصفه صاحبه بأنه “نقدي منهجي يستجلي الواقع الروائي المصري والعربي، على نحو علمي، يعي ماهية النص الروائي وجمالياته وبنياته المنفتحة على الواقع والعالم والأشياء”.

وفي كتابه الجديد، الصادر عن دار بدائل بالقاهرة، ينطلق الناقد من مبدأ أن النقد يجب أن يمارس دورا مسؤولا، بوصفه عطاء من عطاءات الواقع الرحبة، ويستخدم في كتابه أدوات التحليل السردي الجديد، مدركا أنه لا نص ينمو في الفراغ، وإنما هو ابن لسياقاته السياسية، والثقافية، وبما يؤكد أن ثمة انحيازا للفني بالأساس.

ويرى عبدالله أن التحولات التي شهدتها الرواية العربية ربما بدت أكثر من صدى لجملة التحولات الاجتماعية المربكة التي حدثت بدءا من هزيمة الصيف السابع والستين، ثم عقد السبعينات الذي شهد الانتصار في حرب أكتوبر عام 1973، واتفاقية كامب ديفيد، ثم معاهدة السلام عام 1979، وهيمنة المد الديني، لنصبح أمام عالم يتشكل على أنقاض عالم قديم، وفي ظل ذلك كله ارتفعت وتيرة الهوس الديني وكذلك الأمني، إضافة إلى التحالف بين الفساد والرجعية، وقد حظيت التسعينات بتحولات أخرى، كان من آثارها ازدياد الفجوة الطبقية إلى الحد الذي أصبحنا فيه أمام استحالة للعيش وبما أفضى إلى الثورة المصرية في العام 2011.

وهكذا تبدو العلاقة بين الرواية والواقع ذات طابع جدلي، فتبدو الرواية في أحد تجلياتها إدراكا جماليا للواقع ومحاولة لاكتناه الداخل الثري فيه، لذا فالروائي يتعاطى مع الواقع بوصفه مادة خام تحمل من الاتساع والتنوع ما في الواقع نفسه من خصوبة واختلاف، ومن ثم فالكاتب يختار من هذا الواقع ما يشاء ثم يعيد تشكيل المفردات التي اختارها، ويطوعها وفقا لرؤيته إلى العالم.



jamaaa.jpg

العلاقة بين الرواية والواقع ذات طابع جدلي


يرصد الناقد حضور القهر كثيمة مركزية في معظم روايات محمد البساطي، ففي “أسوار” بعنوانها الدال، يجعل من السجن فضاء لروايته، وفي “جوع” يرصد الحرمان الاجتماعي الذي يقهر أسرة ريفية، وفي “دق الطبول” يكون القهر نفسيا، وهو القهر الذي تعددت صوره في آخر روايتين للكاتب.

ففي ”غرف للإيجار” تتعدد صور ومستويات القهر، وتتخذ صيغا مختلفة، فالحرمان الجسدي للنساء في الرواية يدفعهن إلى محاولة خلق عوامل بديلة، والمكان الروائي بضيقه وحيزه الضاغط على الشخوص يمثل عنوانا مكرسا لنوع من القهر الاجتماعي داخل فضاء الرواية، حيث تمثل كل شخصية في الرواية ذاتا مأزومة مسحوقة تحت سنابك الفقر والجوع والمرض.

ويرى الناقد أن إبراهيم عبدالمجيد في روايته “قطط للعام الفائت” قدم نصا مراوغا من خلال إيهام القارئ بالمباعدة الفنية بين النص والواقع، كما قدم بناء رمزيا متوازيا ما بين الواقع والفاتنازي، كما عمل على أسطرة الواقع، من خلال العديد من الدلالات، مثل تجمد الثوار في الميدان، وأسماء الشخصيات المرتبطة بالسلطة.

كما ضفر الروائي مقاطعه السردية بآليات الفنون البصرية المختلفة، وتحديدا فن السينما، وهناك استفادة كبيرة من آليات فن كتابة السيناريو.

ومن الأدب النوبي توقف الكتاب عند أعمال يحيى مختار وانشغاله الدائم بالنوبة، فلم يخل عمل له من حضورها كمكان وكهوية ثقافية، فالنوبة عنده بمنزلة البؤرة المركزية في أعماله، تتفرع عنها الأشياء وتتقاطع معها في ذات الوقت، فهي تعبير عن الحلم المستعاد، وعن الخصوصية الثقافية في إطار وحدة الثقافة الوطنية المصرية.

وقد راكم مختار منجزا مهما تجلى في أربع مجموعات قصصية وثلاث روايات تناول الناقد منها روايتيه “تودد: مرثية لقرية الجنينة والشباك” و”مرافئ الروح”، موضحا كيف مثلا تعبيرا جماليا عن خصوصية ثقافية محددة المعالم، ورصدا فنيا لأحد الروافد المركزية في الثقافة الوطنية المصرية.

وتوالت الفصول لترسم عبر مقاربتها لثلاثين نصا روائيا صورة لمشهد روائي عربي حاشد، ولم تتوقف اختيارات الكاتب عند جيل محدد أو عند إبداعات مصرية فقط، بل اتسعت القراءات لأكثر من جيل وأكثر من بلد عربي، فتناول مثلا رواية

“بوركيني” لمايا الحاج التي تجدل الخاص بالعام، وتمزج الذاتي بالموضوعي، حيث تنطلق من أزمة بطلتها المركزية، الفنانة التشكيلية التي يجتاحها صراع نفسي يسمى بصراع الإقدام/ الإحجام حيث التردد ما بين الرغبة العارمة في التحرر، والالتزام الداخلي، هذه الأزمة التي تحمل وجوها متعددة في الرواية، وتطل عبر صيغ مختلفة، تتمحور حول الحرية والالتزام تارة، والفن والمسؤولية تارة أخرى، وليست ثمة إجابة قاطعة في النص القلق الذي ينطلق من تيمة المساءلة للذات، ولواقعها المشوه.

أما عبده وازن فقدم في “البيت الأزرق” بنية سردية تعتمد التشويق الدرامي، حيث تتجادل حكايتان (الحكاية الإطار والحكاية المركزية)، وتتقاطعان، وينفتح النص معرفيا ودلاليا على جملة من التصورات الفلسفية والوجودية، ويحمل إحالات معرفية يتناص عبرها مع نصوص راسخة في الأدب العالمي، من قبيل الإشارة إلى آنّا كارنينا لتولستوي، ومدام بوفاري لفلوبير، فضلا عن الحضور الدال المنتج للمعنى لدوستويفسكي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى