حوار مع الفنان حسن المسعود حول نظرته إلى الصورة والكلمة والصوت

يوظّف حسن المسعود مؤهّلاته الأكاديمية في فنّ الخطّ لتوليد تشكيلات مُفعَمة بالحيوية عبر الكلمة المخطوطة. ففي عمله الحِرَفي المتواصل منذ خمسٍ وأربعين سنة كسر الأسلوب التجريبيّ الذي اتَّبعه في أعماله الفنية حدود التقاليد الجامدة ليدفع فنّ الخطّ أشواطاً بعيدة. وقد اشتملت أعماله الفنّيّة على نصوصٍ لشعراء وفلاسفة من كل العصور والثقافات من أمثال القديس أوغسطينوس وفيرجيل وابن عربي ولاوتسي وبودلير، كما تعاون مع فنّانين مسرحيّين وموسيقيّين لتقديم فنّ الخطّ في عروضٍ حيّة.

ولد حسن المسعود في النجف العام 1944. عمل خطّاطاً في بغداد في ستّينات القرن الماضي قبل أن يلتحق العام 1969 بمعهد الفنون الجميلة في باريس. في العام 2017 أقام معرضاً منفرداً في غاليري “سوندارام طاغور” في مدينة نيويورك تحت عنوان “الكلمات، النَّفَس، الإيماءة”، ولاحقاً أُقيم المعرض نفسه في “غاليري أكتوبر” في لندن. صدر له عن دار الساقي العام 2017 كتابٌ بعنوان خطوطٌ في الحبّ.

* كيف تُعرِّف كلّاً من الصورة والكلمة والصوت؟
- هناك صور متعدِّدة الاتّجاهات. باختصار هناك الصور البدائية المبسَّطة عند إنسان الكهوف قبل 30 ألف سنة. وهناك الصور التي تُجاري الأديان كما في الحضارة المصرية القديمة أو في الكنيسة المسيحيّة. وتوجد صور تُواكب الحكم السياسيّ، أو التعبير عن الأحاسيس البشرية كما في الفنون المعاصرة. وأخيراً نجد ما هو رائج اليوم مع الصُّوَر الرقميّة.
بذلك تكون أهمية الصّورة بحسب نيّة الفنّان وفكره عند عملها. وهذه الصور تعطي المشاهد معلومات كثيرة يتلقّاها بسهولة في معظم الأحيان.
أمّا الكلمة فانها تخاطب الذهن البشريّ وتترك للسامع أو القارئ تفسيرها بحسب رغبته، وبها يكون الإنسان مساهماً في التعبير بشكل أكبر ممّا لو كان أمام الصورة.
أمّا الصوت فإنّه يُخاطب الذاكرة الإنسانية. فعندما نسمع صوتا إنّما تقفز الى
إحساساتنا ذكريات أصوات مشابهة نحبّها أو لا نحبّها سُجِّلت من مرحلة سابقة في مخيّلتنا.
من الصور التي أحبها صور كثبان الرمل في الصحراء.

* لماذا تكتسب الحروف هذه الأهمية في عملك الإبداعي؟
- يعود ذلك الى مسيرة حياتي. كنت أحب الكتابة الجميلة الشَّكل منذ الطفولة، وبعد المرحلة الدراسيّة المتوسّطة أردت الدراسة في معهد الفنون الجميلة في بغداد، ولكن ما اعْترضَني من عقبات في إكمال ملفّ التسجيل لم يسمح لي بذلك. فبقيت في بغداد ثماني سنوات أعمل كخطّاط تقليديّ. كنا نُزاول آنذاك أعمال الدّعاية والإعلان. ولكن رغبة عميقة في داخلي أرادت أن أكون فنّاناً تشكيليّاً فسافرت الى باريس العام 1969 واجتزت امتحان الدخول الى المدرسة العليا للفنون الجميلة المعروفة بـ” البوزار”.
بقيت خمس سنوات في هذه المدرسة حيث تلقّيت الدروس النظريّة وتمرّست بالكثير من التطبيقات الفنّيّة. لم استطِع ترك أعمال الخطّ إذ وجدت فيها وسيلة عيش عبر إنجاز خطوط لمجلة كانت تصدرها الحكومة الجزائرية للعمال المهاجرين. ولكن في اليوم الذي حصلت فيه على دبلوم دراسات عليا في الفنون التشكيليّة بدأت استعمل الحروف العربية في لوحاتي. وهناك لقاء دفعني الى الاقتراب من الخطّ العربيّ وهو تعرّفي بالممثّل المسرحيّ الفرنسيّ غي جاكيه الذي كان يتعلم اللغة العربيّة، فدعاني العام 1972 للمساهمة في حفلة ثقافيّة يقيمها في دار الثقافة في مدينة شالون عن الصّوت والحَرف العربيَّين. فكنت أُنصت إلى ما يلقيه من مقاطع شعريّة وبدوري أخطّها على جهاز يعكس الخطّ على شاشة كبيرة. كنت مُرتبكا كون الخطّ العربيّ التقليديّ يُكتَب ببطءٍ شديد وهنا كان لا بدّ من الإسراع للّحاق بصوت الممثّل. هذه البداية استمرّت بعد ذلك أكثر من عشر سنوات في خلالها إنضمّ ألينا الموسيقيّ العراقيّ فوزي العائدي. مئات الحفلات من هذا النوع إضطرّتني إلى إيجاد حلول لمشاكل الخطّ، وهي ككل مشاكلنا الاجتماعية، تنتظر التطوّر والتحوّل إلى العصر الحديث. فالخطّ العربيّ بدأ كفنّ في المدينة الإسلاميّة في القرن التاسع وتطوَّر تدريجيّاً حتّى القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الوقت يراوح في مكانه. كنت أقول في نفسي إنّني إذا ما تمكّنت من إعلاء الخطّ العربيّ إنَّما أساهم في إعلاء مجتمعاتنا. وممّا ساعدني هو هذا الشعور بواجب الاستمرار في البحث وفي دفع الخطّ العربيّ نحو سرعة لم يعهدها من قبل. وما بين حفلتَيْن كنت أخطّ لوحات في مَرسمي فجاءت تأثيرات الخط العلنيّ تدخل اللوحات. وكان استقبال الجمهور الحارّ لخطوطي قد شجّعني على إعطاء كل وقتي لانجاز خطّ عربيّ حديث وعلى الابتعاد عن الرسم التشخيصيّ.
في ذلك الزمن لم أكن أرى خطّاً حديثاً على عكس ما نراه الآن إذ تنمو حركة فنّ “حروفيّ” حديث.

* هل يمكن أن يكون للتمثيل المجرَّد معنى ما؟
- عملي الفنيّ تطلب اختصاراً في الشعر وعبارات الحكمة. وتدريجيّاً اتجهت إلى التركيز على الكلمة الأكثر أهمية في العبارة. فكنت أحطِّم الكلمة وأعيد البناء من جديد بناءً يخضع لهندسةٍ عفويّة. تكبير بعض الحروف وتصغير أخرى وذلك لكي تساهم الكلمة عبر هذا البناء بقول شيء له علاقة بمعنى العبارة. تساعدني الألوان كذلك فمثلاً لكلمة النار يأتي اللون الأحمر، أمّا الماء فسيكون أزرق. ولمّا كانت الأشكال الهندسيّة والألوان تخصّ كل العالم، سيجد المشاهد الذي لا يعرف الحروف العربيّة في هذه الاشكال ما يمكِّنه من دخول هذا الفضاء الذي ابتكره عبر الحروف وما هو حولها أي الفراغ. فقد تخيّلت دائماً ما أشتغله كتماثيل عالية في الصحراء.

* ما كانت الصورة الأولى التي تذكر أنك أُعجبت بها في طفولتك؟
- في أحد الايام، وكنت في الخامسة من عمري، أخـذتـني أمي معـها إلى سـوق القـماش. قـماش من كل الأنواع والألوان وضع على الرفـوف، في الدكـاكـيـن الصغـيـرة المـتـعـدِّدة، والمـفـتـوحة أبوابها على الجـمهـور.
دكاكـيـن ترتـفع أرضيّتها قـليلاًعن أرض السوق… فـيـدعو الـبائع زبائـنه إلى الجـلوس على الـسجاد ويفـرش أقـمـشـته المتـنوّعة. يفتح الأقمشة المطويّة في الفضاء كالرايات أو كموجات من ألوان قوس القزح…
إن كان اللون الغـالب في مديـنـة النجف هو اللون التـرابي… في الارض… وفي طابوق البيوت وغبار الصحراء، فإنّ هذارالـسـوق بألوانه المتعدّدة يـبدو كحـديـقة مـتـنوِّعة الألوان… مكان فـريد من نوعه يدهش العيون ولا يُـشبه أيّ سـوق آخـر.
القـماش الـمـطـويّ على لوحات من الخـشـب كان مـسـتورداً في أكـثر الأحـيان من الـبلدان الآسـيـويّة.
اخـتارت والدتي الـقــماش الذي تبحث عنه، وشـاءت الصّـدف أن تـكون حاجـتها منه بطول القطعة المتبقّية على اللوحة. من هـذه اللوحة الخـشـبـيّة التي كان القماش ملفوفاًعليها سـقـطت صـورة مطبوعة على ورقة، فـبادر البائع إلى إهدائي إيّاها. نـظرت الـيها فأكـتـشـفـت وجهاً منـيراً مدوراً لطـفـل آسـيـوي جـمـيـل. مساحة الصورة تقارب حجم الوجه الحقيقيّ، فأنـتابـني شـعـور عـظـيم بالـفـرح.

* هـل كان ذلك لاني أمـتـلـكت صورة أم أن وجه ذلك الـطـفـل السعيد قـد سـحـرني؟
- رجعـت إلى الـدار ممسـكاً بهـذه الصـورة الملوّنة كالكـنز الثـمـيـن. كانت هذه المرّة الأولى التي أمتـلك فـيهـاً صورة، اذ كـنـّا نعـيـش في مـدينة مـقـدّســة والصـور كانـت فـيـها مكــروهة وغائــبة تماماً. الصور غائبة أيضاً بسبب بُعْد مدينتنا عن منتجات الصناعة الحديثة والمطابع.
وهكـذا في خمـســيـنات القرن الماضي لم تـكن في مديــنة الـنجف لا مــجلات ولا دور ســيـنما. وطـبعاً لم يكن التــلفـــزيون معــروفاً آنــذاك ولا الانترنت. والأولاد بمثــل عــمري لا يمـكنهم رؤية الصور. قــبل هـذه الصـورة لم أكن قـد رأيت صورة من قبل.
كـنـت أمـسـك هـذه الصـورة الوحيــدة بطــرف أصابعي كـتــحفـة رهــيـفة، أنام معها، وأحمـلها أيـنما ذهـبت، وصارت موضــوع كلامي مع الأولاد ولعـبتي الوحـيدة، إذ لم نـكن نملـك من اللُّعَب في النجف إلا ما نصنعه نحن بأنـفـسـنا من عـلب الأغـذية الفارغة، أو أحياناً نلعـب مع كبار النّمال الـتي تجـتاز باحة الحـوش في دارنا فـنضع على ظهورها حتات الخـبز.
ثلاثة أيام أعـقـبت هذا الحدث وأنا مع هذه “الصورة – الوجه” في الزقـاق الـذي نـسـكـنه. وفـجأة، توقـف أمامي رجل نحـيـف وطـويل ذو وجه جاف. أنحنى بـقامـته باتجاهي وطـلب مني أن أعـطيه الصـورة. فـفـعلـت ذلك… نظـر إليها مـلـياً ثـمّ رماها بسـرعة في مــسـتـنـقع موحِل تـحت أرجلنا، وداس علـيها برجله وذهب…
كـنت مذعوراً ومندهشاً ممّا فعل. سحـبتها من الماء القـذر باكياً وذهـبت راكضاً نحو الدار. طيَّبت أمي من خاطري وحاولت تـنـظـيـفها بالـماء العـذب. ولكـن الصـورة المـطـبـوعة على ورق لماع فـقـدت رونقـها وألوانها الزاهـية….
خـطوط مكـسّـرة بدأت تـظهر على الورق… خـطوط بيــضاء متـقاطـعة جعـلت من الصعـب علي ّ النـظر إلى ذلك الوجه الملائكيّ الصغير، بل إن الصورة تحوّلت الى ما يـشبه الكـتابات البيـضاء اللامقـروؤة.

* لقـد عـشـت صـدمـة كبــيرة وبقـيـت مـتـأثـّراً جدّاً، هـل كان هـذا الرجل مـجـنوناً أم من الذيـن يكرهـون الصـور؟
- لم أكـن أتـصوّر أبـداً أن هـذه الصـورة سيُنـقـش شكلها بهـذه القـوة في قـلبي. ولم أكن أتصوّر أن الكـتابة والخطوط التي تـخـفي صوراً ســتلاحقـني حتى اليـوم، إذ إن كل خـطوطي ما هي إلا بحـث مستمرّ عن الصورة المفـقـودة. خلف كل خطّ أعمله أريد أن أجد صورة متخيَّلة… طبعا صورة غير طبيعيّة… كنصف صورة… أو على مسافة نصف الطريق نحو الصورة… دائماً ما يختفي خلف الحركات والحروف في أعمالي الفنّيّة هيكل يجعلني أقتنع بأنني سأرى صورة بعد قليل..
حسن المسعود، “١٩٥٩ في المدرسة المتوسطة من تخطيط صغير في الصحف عملت هذه اللوحة الأمل على تحرّر المثقَّف ويشترك الجندي والكرديّ في خيمة السلام. أحلام زمن الشباب”.

* ترسم على أعمال فلاسفة من كل العصور والثقافات، هل يمكن لشخص غير ناطق بالعربية أن يستخلص معنى ما من أعمالك؟ ولماذا؟
- أريد أن أكون وريث كلّ البشر الجيّدين على الكرة الأرضية، الذين تركوا لنا أفكاراً تهتم بكرامة الانسان. فأبحث عبر القراءة في الكتابات التي تركوها لناعن العبارات الصغيرة التي أستطيع أن أحولها لوحات. أريد لأفكارِهم أن تكون متداولة بكثرة في زمن يتقوقع البعض في الحساسيّة القبليّة أو الدينيّة لرفض الآخر. في المعارض التي أقيمها دائماً يقول لي بعض المشاهدين إن هذه العبارات آتية من عصور مختلفة ومن الشرق أو الغرب ولكنها كلها تعبِّر عن نفس الأفكار، وكأنها كتبت من شخص واحد.
ثم إنّني أضع دائماً ترجمة للعبارات بعدّة لغات كي يدخل المشاهد أجواء لوحاتي.
مِنْ وجهة نظرك ما هو الفرق بين تقاليد حرفة الخطّ العربيّ وعملك كَفنّان معاصر؟
ألف سنة مضت على استعمال الخط العربي في المدينة الإسلامية، استُعمل الخطّ في كل مكان، ونرى اليوم في المتاحف حاجيّات يوميّة قديمة زُيّنت بالخطّ، كما نرى على جدران المعالم المعماريّة التاريخيّة خطوطاً كبيرة، إضافة إلى خطوط الكتب. من الزمن الماضي وحتى اليوم تتعدّد استعمالات الخطّ في أماكن متعدّدة وبأشكال مختلفة. والحكم على جودة الخطّ واعتباره ذا قيمة فنّيّة يعود الى نيّة الخطّاط وفكره. فمَنْ كتب الحروف من دون الاهتمام بالمعنى ومن دون التعبير عمّا يعتمل في ذهنه ومن دون ربط كل هذا بتاريخ الفنّ، يمكن أن نسمّيه مهنيّاً حِرفيّاً. ومَنْ أعطى الحروف زخماً وطاقة عميقة نتحسّسها ونكاد أن نراها في الحركات الخطّيّة ونغمها الموسيقي، خطوط لم نرَ سابقاً ما يشابهه، نسمّيه فنان. أما أين نضع أعمالي الفنّيّة فالحكم عليها يعود إلى الآخرين.

* تعاونتَ كفنّان مع ممثّلين وشعراء وموسيقيّين، كيف ساهم هذا التعاون في تعميق فهمك لفنّ الخطّ؟
- يقال إن كلّ الفنون أخوة وكل واحد منها يضيء الآخر، وهكذا أرى في اهتمام الموسيقيّ بالسّكون ما بين نغمتَيْن ما يجعلني أفكر في أهمية الفراغ ما بين حركتَيْن. ورؤية جسد الراقص محاولاً الطيران في الفضاء تكشف لي المجازفة التي يقوم بها ومدى إمكانية تجاوز الممكن والمألوف في الحركة الخطّيّة ضمن فضاء الورقة.
أما الشعراء فقد علّموني إخفاء جزء من الكلمات وإفساح مجال واسع لأخرى، فالشعراء لا يبوحون بكل المعاني بل يتركون للسامع أو القارئ مهمّة إكمال المعنى بتخيّلاته.
ما هو الرابط بينك وبين فنّانين معاصِرين يستعملون حروف لغات أخرى في عملهم، من أمثال تيري لوكوردييه وتراسي إيمين ون.س. هارشا وآخرين؟
في بداية عملي بالحروف لم أتعرف كثيراً بمن يهتم بهذا الاتّجاه. ولكن في الوقت الحالي أُعجب ببعض الفنّانين الذين يرسمون لوحات بحروف عملاقة على الجدران. ولكنّ عملي الفنّي أو عمل هولاء الفنّانين يبقى غير معروف من الجمهور العريض وليس له حضور واسع في الأماكن التي تعرض الفنون البصريّة.

* عشت القسم الأكبر من حياتك في باريس، فكيف أثرت الثّقافة البصريّة الفرنسية عليك؟
- أربعة وعشرون عاماً في العراق تكمن فيها جذور عملي الفنيّ، وتسعة وأربعون عاماً في باريس أتاحت لي التعرّف على فنون العالم، وما هو مهمّ كان التعرّف على الفن الإسلامي القديم. ففي باريس بمكتباتها ومتاحفها كنوز من الفنون. وبلا شكّ إن اهتمامي بزيارة معارض الفنون المعاصرة على مدى كل هذه السنين قد ساهم في تكوين الرؤيا التي أعيشها في عملي الفنيّ.

* كيف يمكن أن تُعيد خلق العراق في عمل فنّي؟
- كنت أشعر باستمرار بأنّني في ارتباط روحيّ مع الانسان العراقي. في الأيام السوداء كنت أشتغل مجموعة خطوط تنفث الغليان الذي أعيشه في داخلي. أحياناً بيت شِعريّ يرافقني في عدّة خطوط. مثلاً بضع كلمات للشاعر بدر شاكر السياب: “يا ليل أين هو العراق؟” شكّلت من هذه العبارة خطوطاً متعدّدة لفترات متعدّدة فتصبح العبارة الشعريّة مثل إناء أصب فيه مشاعري. عبارة أخرى لشاعر عراقي اسمه ابن الحسن مطرف ذهب إلى الإندلس حيث قال:
“أَرْضَعتْني العراق ثَدْيَ هواها = وَغَزَتْنِي بِطَرْفها بغدادُ”.
في هذه العبارة إبداع لصورة شعريّة تساعدني على تحويل الألم صورةً نبيلة ومن دون جزع. إنّما حالة الابتعاد عن مكان الولادة هي حالة بشرية ويمكن أن يغترب فيها الانسان في أي زمان. كررت خطّ هذه العبارة عدّة مرات. وعبارات أخرى تحوّلت مجموعات خطّية كعبارة أبو نواس: “يا دار ما فعلت بك الأيام؟”. وهناك صورة منحوتة قديمة للَّبوؤة الجريحة والتي تجثم حالياً في المتحف البريطاني، عملت على الشعر الأندلسيّ عدّة خطوط تعكس ألم اللّبوؤة. فبالنسبة إليّ تمثّل هذه اللبوؤة العراق وجروحه.
أما الجانب المستقبليّ، جانب التفاؤل، فقد وجدته في شعر الجواهري، كهذا البيت الشّعري:
“بغدادُ يا قلبَ العراق وَوَعْيَهُ وضميرَه، لا زَعْزَعتْكِ رياحُ”.


www.massoudy.net

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى