باسم عبد الحميد حمودي - ذكريات على هامش الإبداع؛ من سجل السياب العاطفي

إشارة : رحل شاعر العرب العظيم ومؤسّس الحداثة الشعرية العربية “بدر شاكر السيّاب” في يوم 24 كانون الأول من عام 1964 ، وكان يوماً ممطراً لم يعثر فيه الشاعر “علي السبتي” على بيت السياب في الموانىء بالبصرة فقد أفرغته الدولة من عائلته لعدم دفعها الإيجار، فسلّم التابوت لأقرب مسجد. وعلى الرغم من مئات المقالات والدراسات والكتب والأطروحات الجامعية التي كُتبت عن منجزه الشعري فلايزال هذا المنجز الفذّ مكتظاً بل مختنقاً بالرؤى الباهرة التي تنتظر من يكتشفها. تهيب اسرة موقع الناقد العراقي بالكتاب والقرّاء الكرام إلى إغناء هذا الملف عن الراحل العظيم.

المقالة :

تروي القاصة ديزي الامير -وهي أبنة البصرة وزميلة بدر السياب في قسم اللغات في دار المعلمين العالية- في مجموعتها القصصية الاولى (البلد البعيد الذي تحب) وفي قصة (حكاية أبريق الزيت) احداث حب الشاعر لزميلته الشاعرة لميعة عباس عمارة دون أن تدون الاسمين، وتصور معاناة الشاعر في حبه الذي يبدو من طرف واحد، وقد اشتهرت هذه الحكاية وروجها أكثر من مصدر وللشاعرة دورها في ترويج الامر، ولكننا سنتحدث عن سجل السياب العاطفي موثقا متوخين الصراحة والدقة فبدر شخصية عامة شديدة التأثير في الشعر وفي المجتمع الذي عاشه.

حبيبات السياب العديدات
هن محبوبات أكثر من كونهن حبيبات للسياب،كان يحبهن من طرف واحد وهن زميلاته في (العالية) التي كانت أيامها تزهو به وبالبياتي ولميعة عباس عمارة ونازك الملائكة وسليمان العيسى وديزي الامير، وأن تفاوتت سنوات الدراسة بينهم. تقول لميعة عمارة في مقابلة أجراها معها الشاعر عبد الرزاق الربيعي مؤخرا لاحدى الصحف في سلطنة عمان (ونشرها أكثر من موقع الكتروني) أن بدرا كان يصارحها بعواطفه تجاه الاخريات ويشكو لها عذاباته وأنها كانت تواسيه وتهدئ من وساوسه، وتذكر لميعة للربيعي اسماء من تعرفه ممن أحبهن بدر ومنهن : ديزي الامير، ولمعان،ولبيبة، وسعاد و ذكرت أيضا ان سليمان العيسى كان يحب ديزي دون أن يبوح بذلك الا لخاصته.

سر وفيقة !
واعلنت لميعة للربيعي أن لاوجود حقيقي لوفيقة التي وضع السياب ديوانا بأسمها وأن وفيقة الحقيقية هي لميعة عمارة ذاتها! والظاهر ان جميلات (العالية)كن يستمتعن بهذا الاعجاب غير المخل بل ويجدنه ضروريا لتأكيد جمالهن وأمتيازهن عن سواهن، وهو أمر يجري في كل معهد،وقد عايشته وأنا في (العالية) ايضا في ال56 وما تلاها وقد تخرج الجيل الاسبق، بل أني لاجد هذه الظاهرة قد جرى تداولها في كليات الآداب والتجارة والعلوم وسواها ولكن كل هذه العواطف كانت تباح بهدوء وفي جو من الصرامة والخوف وأن صاحبها تيه البنات أمام بعضهن. خارج متن السياب وموضوعه اود الاشارة الى ما هو معروف من علاقة ديزي الامير بالشاعر خليل حاوي والتي لم تنته بالزواج بل أسدل الستارعليها بأنتحاره وزواج ديزي من السيد حبيب صادق وهو زواج انتهى بعد عامين حيث تفرغت ديزي للكتابة وما تزال نعود الى موضوعنا الاساسي وهو فصول من سجل السياب العاطفي لنقول : لا أحد منا يستطيع انكار أن من حق اي انسان أن يحب فكيف هو الامر والمحب شاعر متوقد الاحاسيس والعواطف لقي من الانكار وسوء المعاملة الكثيرممن احبهم أو تعايش معهم ؟ مازال بعض الدارسين والكتاب يأخذ على السياب تذبذب مواقفه وعواطفه، لكن ذلك أمر – اقصد المواقف- أما العواطف فهي خاصة بالشاعر وحده دون سواه ما دام لم يؤذ احدا.

السياب وحب تعايشت معه
ولابد لي هنا ان اشير الى حب آخر للسياب لا يعرف به كثيرون وقد تعايشت معه مباشرة نتيجة علاقتي بالسياب وبالشخصية موضع الاهتمام وهي المرحومة القاصة الفلسطينية الكبيرة سميرة عزام.، ولا بد من القول مسبقا أني اتحدث عن تاريخ شخصي أذ ربطتني بالفقيدة علاقة صداقة عائلية فقد كانت سميرة على علاقة زمالة بخالتي الوسطى المرحومة سعدية عبد الرزاق حيث كانتا معلمتين لسنوات في مدينة الحلة قبل أن ترحل سميرة ألى قبرص كمذيعة للبرامج الثقافية في أذاعة الشرق الادنى (التي كانت تبث من هناك ويعمل فيها الكثير من الملاكات العربية منهم عبد المجيد ابو لبن وصبحي ابو لغد والعراقي وديع خوندة الشهير بأسمه الفني : سمير بغدادي وسميرة عزام) عندما قام العدوان الثلاثي على مصروسوريا عام 1956تحولت هذه الاذاعة الى بوق للعاصمة البريطانية لندن فانسحب معظم الاذاعيين العرب منهاوفي مقدمتهم من ذكرنا حيث التحقوا باذاعة بغداد ليعملوا في برامج المنوعات والثقافية فيها. بذلك عادت سميرة الى بغداد وتولت مسؤولية البرامج الثقافية في الاذاعة وأنشأت برامج للمواهب الشابة وفتحت المجال عريضا امام الشعراء والقصاصين الشباب واستحدثت مكافآت لهم عند قرائتهم للقصيدة أو القصة، وقد شجعني المرحوم نزار عباس للذهاب الى الاذاعة ولقاء السيدة سميرة التي رحبت بي واعطتني فرصة تقديم قصة لي على الهواء مباشرة، وكان ذلك أمرا عظيما في حينه، بالنسبة لي في الاقل ! وبدا لي ان السيدة سميرة تعرف عني الكثير بواسطة خالتي الراحلة وأبن عمها وزوجها الاستاذ عبد القادر البراك -أحد أبرز رجال الصحافة العراقية أيامها – وقد التقيت بها مرارا في بيت البراك ودعتني للكتابة في ملحق جريدة الشعب الذي كان يصدر اسبوعيا تحت عنوان (الاسبوع) فحملت اليها قصة واخرى وثالثة نشرت جميعا…. بدون اجور طبعا! كان السياب يعمل في ذات الغرفة التي تعمل فيها السيدة سميرة في المجلة

وفي جريدة الشعب،وكنت أقضي وقتا ممتعا في الجدال والنقاش معهما عند زيارتي، وكا ن وقتي مع السياب هو الاكثر فسميرة مشغولة بالاذاعة ومجلة الاسبوع معا،ولم يكن للسياب ما يشغله ايامها – وهو المفصول سياسيا -سوى الملحق والجريدة، وكنت اشهد التحول الذي يطرأ على سلوك السياب عند وجود سميرة وأهتمامه بها، رغم أن هذا الاهتمام لم يلق اي استجابة من تلك الانسانة الحصيفة الرائعة في كل كتاباتها وسلوكها. ولعل سلمى الخضراء الجيوسي والسيد محيي الدين اسماعيل يعرفان تفاصيل اكثر، لكن الذي أعرفه أن السياب الذي خاض مغامرات فاشلة من هذا اللون قد استشاط غضبا عندما اقترنت سميرة عزام بالرجل الذي توافقت معه، وأذكر أيضا أن وليمة صغيرة قد اقيمت في بيت الاستاذ البراك وخالتي ام صالح تكريما لسميرة وهي تقررالرحيل من بغدادوالاستقرار العائلي في عمان…. ولعل السجل العاطفي للسياب يحمل فصولا أخرى ولكنها فصول مليئة بالتعب وسوء المعاملة التي لقيها في مجتمعه فقد اساء كثيرون له وهو يتغير سياسيا متناسين ان الكثير منهم لم يلقوا الذي لقيه السياب في حياته وعبر مرضه المؤلم الذي خطفه منا سريعا دون أن يتجاوز الاربعين.

* عن
باسم عبد الحميد حمودي: ذكريات على هامش الإبداع؛ من سجل السياب العاطفي (ملف/10)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى