فريدة العاطفي - لم أعد طفلة

كانت قطرة دم غريبة، ساخنة ومجهولة، نزلت بين فخدي بشكل مفاجئ، وأنا في الحادية عشرة من عمري، حين زارتني الدورة الشهرية لأول مرة، فاعتقدت أني فقدت بكارتي.
أعترف أني لم اكن أفهم في زمن الطفولة ماهي البكارة، ولم يجبني أحد على سؤالي الذي ظل لغزا لزمن أنا فقط كنت أسمع هذا الاسم يتردد كثيرا بين الممرات، وينزل على الرأس كالفأس.
وكلما ذكر أمامي كنت أحس بالبرد والصقيع في الروح ،أحس بخوف كبير سرعان ما بنى لنفسه عشا في دهاليز القلب البعيدة، كما تبني العصافير أعشاشا على أعالي الأشجار.
وكان علي أن أخفي سري لكي لا يعلم به أحد ، فبحثت عن قطعة قماش يبدو أنها كانت بقايا سروال وردي لأمي. وبدأت أستعملها، لكني لم أكن أعرف كيف أنظف بقع الدم التي كانت تظل ظاهرة بعد الغسيل، ولا أين أنشرها لتجف دون أن يراها أحد ؟.
فكرت في زاوية خلف أحواض الزهور في سطح بيتنا، ولم تكتمل فرحتي إذ سرعان ما اكتشف أخي الأصغر قطع القماش المنشورة ، فعلقها على قصبة، وبدأ يدور بها في سطح المنزل وهو يصفر منتشيا. فأصبح من الضروري أن أجد مخبئا لقطع القماش المطبوعة بالدم، وكنت كلما وجدت مخبئا، كلما عثر عليه أخي بإحساس كبير بالانتصار.
بدأت أعاني من مشاكل أخرى سببت لي الكثير من التعاسة، نهدي تحت الفستان أطل متمردا ليشاكسني، مما اضطرني أن أشده بقطعة قماش طويلة جعلتها على شكل حبل، كي لا يظهر، فيمنعني أبي من اللعب، ويجد أخي الذي كان يترصد لي بالمرصاد، سببا آخر للسخرية مني.
أطلت شعيرات صغيرة كالنباتات تحت إبطي، وبدأت تكبر يوما بعد آخر، دون أن اعرف إلى أين يمكن أن تصل؟.
إلى أن جاءت زيارتي لصديقتي بدرية مفاجأة بكل المقاييس.
هناك في غرفتها الجميلة تعرت بدرية أمامي لتغير ملابسها، فرأيت إبطها حليقا نظيفا وجميلا.
قبل أن أسألها، أخرجت من أحد أدراج خزانتها ماكينة حلاقة صغيرة وردية وهي تردد بزهو شديد : " إنها من النرويج."
كانت تلك أول مرة أتحدث فيها عن مشاكلي الحميمة، لأن أمي كانت منشغلة بغسل الصحون، ولم يكن لديها الوقت لمشاكلي مع أنوثتي التي جاءت على عجل، وأنا مازلت ألعب.
أما بدرية فكان لديها تقريبا الحل السحري لكل مشاكلي، فبعد موس الحلاقة الوردي، أعطتني فوطات جميلة وناعمة، تستعمل وترمى بعد استعمالها، والفوطات بدورها كانت من النرويج.
لكي لا يسرق أخي ماكينة الحلاقة الوردية مني، أخفيتها في صدري وسط النهدين على قطعة القماش التي كنت أشدهما به ، كي لا ينفلتا بجنون نحو أنوثة لم أكن بعد مستعدة لها.
لكن موس الحلاقة سقط مني في إحدى الصباحات الماطرة ، وأنا أستعرض جدول الضرب أمام أستاذ فرنسية ملتح كنا نخاف منه كثيرا.
نظر الأستاذ مذهولا إلى ماكينة الحلاقة على الأرض، وقبل أن يفتح فمه بالسؤال، قلت ببراءة وحزن شديد: " إنها من النرويج. "
انفجر أستاذ اللغة الفرنسية ضاحكا، وأخذه مني آلة الحلاقة دون ان أراها بعد ذلك.
بكيت تلك الليلة ماكينة الحلاقة الوردية، كما نبكي شخصا عزيزا.
وقضيتها أحلم بالنرويج.
آه... كم حلمت بالنرويج
الطائرة باتجاه النرويج.
وأنا لم انس لحد الآن ماكينة الحلاقة الوردية، اشتريت بعدها أمواس حلاقة وآلات كهربائية لنزع الشعر باللون الوردي في مختلف درجاته، بل حتى غرفة نومي اخترت لها اللون الوردي، ولم أنس...
. لذلك كان لا بد أن أسافر إلى النرويج لأجد شبيها لها
النرويج جنة للأطفال فقط، أخبرتني بدرية أنهم لا يضربون الأطفال في النرويج، ورجل مثل أستاذ اللغة الفرنسية الذي كان يضربنا بقسوة حين لا نحفظ جدول الضرب، يمكن أن يدخل إلى السجن.
"ويمكن أن يدخلوه إلى السجن لأنه اخذ آلة الحلاقة الوردية وسخر مني " هكذا فكرت وأنا اشد وسادتي إلى صدري بحثا عن حنان لم أجده. ونمت كالعادة... أحلم بالنرويج.
الآن لم أعد طفلة، أصبحت أزهو بنهدي، وأتعايش بألفة مع الشعيرات التي تنمو هنا وهناك على جسدي، أنزعها بحنان وبالات وردية دائما. وفي فترات دورة الخصوبة أجدني أحيانا أضع يدي بين فخذي، أتأمل الدم الأحمر القاني على أصبعي، وأحلم بالنرويج.



* كاتبة من المغرب مقيمة في فرنسا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى