إبراهيم محمود - على الموتى أن يموتوا.. شعر

على الموتى أن يموتوا
أن يمضوا حيث هم
وأن يبقوا حيث هم
أن يعيشوا موتهم كما يريدون
أن يحترموا تقاليد موتهم
ألّا يطالبونا بأن نصغي إليهم
على طريقتهم فارضين علينا ثقل صمتهم الأبدي
أن نمضي إليهم عراة
وهم يسرحون في أكفانهم
***
على الموتى أن يموتوا
كما ينبغي أن يموتوا
عليهم ألا يطالبونا
بأن نذبح لهم دِيَكتنا
ونترك دجاجاتنا أرامل
وصيصانها لقطط ضارية
ونخرِج آخر حبة من برغل من بيوتنا
لنترك أطفالنا جوعى
نترك أثداء نسائنا الأمهات دون حليب
ونُحرَم من مناغاة صغارنا الرضَّع
***
على الموتى أن يموتوا
ماضين في الطرق التي
تسمّيهم بأسمائهم حصراً
ألا يخرجوا إلينا مساء
قد حشروا أنفسهم بيننا
ونحن نحتسي شاي وجودنا
لنسكب لهم من حياتنا
ما يُبقي ظلالهم مسدِلة على قلوبنا
أن نخرَج لهم لساننا
وهو يلهم بأسمائهم وقوفاً
مطاطئين رؤوسنا
حتى ينصرفوا على هواهم
وقد تسلَّلوا إلى أحلامنا البسيطة
فيفسِدوا علينا حتى نومنا القصير
***
على الموتى أن يموتوا
فلا يتمادوا في الخروج
كأن يتوُهوا
ليلزمونا بالبحث عنهم
وننسى أن لنا موعداً مع رب العمل
أو مع طرقنا التي تشدنا إلى أعمارنا الواطئة
أن يسمحوا لنا بالعبور إلى حقول آمالنا
ونحن نمسك بأيادي أطفالنا سيراً
إلى الحدائق المطلوبة
لا إلى الممرات الضيقة لقبورهم
فنثير علينا سخط أشجارنا
إذ تتلوى عطشاً
وحيواناتنا خارج حظائرها
وهي تحت رحمة ذئاب
تراقب حركة خطواتنا أولاً بأول
***
على الموتى أن يموتوا
أن يقيموا علاقات فيما بينهم
كما يشاؤون
أن يصخبوا في قبورهم
كما يشاؤون
أن يعيشوا صمتهم
كما يشاؤون
وعلينا ألا نتدخل في شئون موتهم
إطلاقاً إطلاقاً
لنقيم نحن علاقاتنا
مع طرق تنتظر علينا سلوكها
لتخرج الينابيع إلى ملاقتنا
ويبتهج الشاي لرشفاتنا
على مناكب تلال منفتحة على الهواء الطلق
***
على الموتى أن يموتوا
كما هم موتى
فلا يفرضوا علينا قواعد
كأن نخرج إلينا صباح مساء
تاركين أطفالنا على قارعة الخوف والبكاء
وأبوابنا مقفلة بالحزن الثقيل
ونوافذنا مكتومة الأنفاس
وبيوتنا تعلِن الحِداد على نفسها
***
على الموتى أن يموتوا
فقد ودَّعناهم كما هي أعراف الوداع الأخير
ووزعنا الكثير من الرز واللحم
مثقِلين بالديون كرمى لهم
ليكفَّوا عن مطالبتنا بالمزيد
فنخرج من أيامنا
نخرج من أفكارنا
نخرج من ضحكات ملازمة
لراحاتنا وهي تعجن الوقت المطلوب
ليقبَل إلينا غدنا في موعده
لنعيش أسابيع عمرنا
ما تستحق من الاهتمام والانطلاق إلى الأعالي
والنظر عبر شرفات آمالنا
وكلّنا انفتاح لتغريدة الثواني في مسامات أرواحنا
نعيش أسابيع أعمارنا بكاملها
غير متنازلين رغماً عنا
عن أي يوم منها
باسمهم ليسلبونا الهدوء المطلوب
كي نرمي بأنفسنا في نهرنا
نشعِر حياتنا أننا لها
لتكون لنا على قدْر إقامتنا في نهرها
***
على الموتى أن يموتوا
أن يموتوا كما هم موتى
ألّا يعترضوا علينا طريق ذهابنا
إلى مواعيد حيواتنا
ألا ينهبوا الفرح المخبّأ لنا لأطفالنا
حين نعود في عتمة المساء
أن يدعونا منسجمين مع نسائنا
كي نحسن التعبير عن قبلة لا بد منها
ألا يثقِلوا علينا
ونحن نسطّر ما جنَته أيادينا
لتكون لنا غلال الآتي
وتمضي طرقنا عامرة في ضوئها


إبراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى