نرجسية الحكام وبارانويا المثقف في الرواية العربية

كتاب يدرس شخصيات عدد من الروايات بمنهج وأدوات علم النفس لتوضيح أن المبدع قد يسبق العالم في التنظير للكثير من الحالات ذات الطابع المرضي أو شبه المرضي الموجودة في الواقع.
السبت 2019/02/09
kh.jpg

خالد محمد عبدالغني ممارسة النقد الأدبي بآليات علم النفس
القاهرة - جمع الأكاديمي المصري خالد محمد عبدالغني بين تخصصه في علم النفس وممارسة النقد الأدبي، وأصدر عدة كتب ضمن سلسلة “علم نفس الأدب”، بدأت بكتابه “التحليل النفسي للأدب”، ثم “نجيب محفوظ وسردياته العجائبية” وتلاه “الذات والموضوع دراسات في سيكولوجية الأدب”، ومؤخرا أصدرت له الهيئة المصرية العامة للكتاب رابع حلقات تلك السلسلة بعنوان “الشخصية المحورية في الرواية العربية”، وقدم في ثمانية فصول يقوم خلالها بقراءات تطبيقية للنصوص الروائية تهدف إلى إضاءة النص وإبراز الجوانب التي تتعلق بعلم النفس والتحليل النفسي، والاضطرابات النفسية.

ويدرس الكتاب عددا من الشخصيات التي تناولتها الرواية العربية لكبار مبدعيها، ودراسة الشخصية في الروايات لم تتناول الشخصية كعنصر من عناصر العمل الروائي بل الشخصية المضطربة من المرضى النفسيين باضطرابات في الشخصية وهم أبطال عدد من الروايات مثل أديب طه حسين والمجذوب في “يوميات نائب في الأرياف” لتوفيق الحكيم والجلاد في “العسكري الأسود” ليوسف إدريس ودنيا المنحرفة جنسيا في “عتبات البهجة” لإبراهيم عبدالمجيد.

وفي مقدمته يقول الناقد “حاولنا دراستها بما توفر لدينا من منهج وأدوات متعلقة بعلم النفس بمدارسه وتياراته المختلفة، وكان الهدف من تحليل تلك الشخصيات هو إيضاح أن المبدع قد يسبق العالم في التنظير للكثير من الحالات ذات الطابع المرضي أو شبه المرضي الموجودة في الواقع، فكما يعرف الجميع أن سوفوكليس سبق فرويد في إبراز ملامح الأوديبية التي صاغها فرويد في نظريته التحليل النفسي، كما سبق نجيب محفوظ المنظرين والمحللين النفسيين لقضية البغاء والأبوية الذكورية ودور المرأة فيها”.

وعرض عبدالغني في بداية الكتاب لنرجسية الحكام من خلال رواية “رادوبيس” لنجيب محفوظ، فمن خلال تحليله النفسي لشخصية الفرعون الشاب أوضح رغبة الحاكم في الاستحواذ والاستمتاع بالحياة، وهذا النمط من شأنه أن يقسّم المجتمع إلى حاكم محتكر للثراء وشعب فقير، مما أدى إلى تفجر الصراع بين الأغلبية المعوزة والقلة المترفة.



kha200.jpg

شخصيات روائية تحت مجهر التحليل النفسي


وثمة نموذج آخر لما يمكن أن يسببه الحاكم المستبد من آثار نجده في “العسكري الأسود” ليوسف إدريس وشخصية الدكتور شوقي المنتمي للإخوان المسلمين، وقد توحد بالجلاد، فأصبح مثله عدوانيا وانتهازيا. وتوضح الدراسة من خلال الرواية كيف ذاب في الجماعة وضاعت هويته الشخصية، وعباس الزنفلي “العسكري الأسود” الذي أصيب بالجنون وأكل ذراعه. ويلجأ الكاتب إلى نظرية لاكان لتفسير ذلك العدوان الموجه نحو الذات حيث تساعد في شرح الصفة الواضحة والغامضة للتجربة البشرية المتعلقة بفكرة البعد الجسدي والتمزيق.

وفي دراسته لشخصية الأديب في رواية طه حسين “أديب” رصد أعراض اضطراب جنون الاضطهاد والعظمة المعروف بالبارانويا، مما جعل من إحدى المصحات العقلية في باريس مقاما للأديب، ومن ثم العودة لقريته دون أن تتحقق طموحاته، ويسمُ الكاتب الشخصية بما يسمى “النظارية” وهي نزعة غريزية جزئية تقوم على “تشبيق” الأحاسيس البصرية، وهي الجانب الموجب المقابل للاستعراضية، ويراها الكاتب سمة ملازمة لطه حسين عموما في كل إبداعاته.

ثمة صورة أخرى للمثقف يرصدها الكاتب من خلال شخصية خليل الموظف المحال إلى المعاش ويعاني من أعراض الشيخوخة، في “حجرتان وصالة” لإبراهيم أصلان، والرواية يرى فيها الكاتب جزءا من السيرة الذاتية لكاتبها، وبالتالي فهي تصور المثقف في شيخوخته.

وإذا كانت ست دراسات من الثماني المكونة للكتاب تتعامل مع شخصيات ذكورية فقد خصص الكاتب فصلين من كتابه لدراسة أنماط شخصية المرأة كما تظهر في الرواية العربية، أولهما الحاجة فاطمة تعلبه في رواية “الوتد” لخيري شلبي، فهي مركز البيت ونموذج للأم المصرية المهيمنة على أسرتها، وبحسب الكتاب “المتمرسة في العلاج النفسي كونها تحمل خبرات وتاريخ المرأة الريفية الأصيلة، وكيف قامت بدور شهرزاد في علاجها النفسي”.

أما النموذج الثاني فيختاره الكاتب من رواية خديجة وسوسن لرضوى عاشور، وقد عبرت عن جدلية السلطة والتمرد من خلال نموذجين نسائيين هما خديجة الأم المتسلطة وابنتها سوسن التي تتمرد عليها، وهو جدل يمتد ليشمل السلطة في أوسع معانيها، والتمرد في أوسع نطاقاته أيضا، فخديجة كانت طفلة مقهورة لذا تلجأ إلى التوحد بالأم والأب في تسلطهما لكي تمر مرحلة النمو في الطفولة بسلام، ولكنها تنشأ على نفس الصورة المستبدة، وهذا ما تسميه آنا فرويد بالتوحد بالمعتدي، وهو دمج قيم وصفات المعتدي في داخل الذات والتصرف مثله في ما بعد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى