عبد الله البقالي - جنون ريح

تبدأ الريح بالعصف من غير توقع. تحمله مع الأوراق و غبار السنين. يتعرى من تجاعيده ومن كل سمات الموت، ليحط في مدار بعيد ينسكب فيه الزمن في مسار معاكس يبعده عن شيخوخته.
ينظر إلى الأسفل. تلوح حلقات عمره المستهلكة وهي لم تزل محتفظة بكل توهجها و حرارتها. تقذفه الريح صوبها. يتجرد من كل شيء وهو يهوي إليها إلا من عزم في نزع البذور التي لم تنبت غير الأرق فيما توالى من عمره.
يقترب أكثر و أكثر. تبدأ ملامح الوجوه في الظهور. يتحسس الحرارة من حياة لم تزل بعد تتنفس. يضرب بقبضة يده راحة كفه الأخرى. يستعيده الإحساس نفسه الذي انتابه من قبل. إنه الوجه الذي ما كان عليه أن يعرفه ، و الذي كان مستعدا كي يقايض كل عمره من أجل أن تجعله الصدف يقفز إلى الأمام دون أن يمر بمحطته.
يعاند خطاه كي تشق مسارا مختلفا. يستنفر كل طاقته من اجل إحداث تعديل ما وهو في وضع لم يتح لأحد من قبل. يستدعي كل ما تراكم لديه من السنين التي يفترض أنها لم تعش بعد كي تجعله غير قابل للاختراق. يغمض عينيه. يتنفس بعمق و يمد أول خطوة.
لم يكن غيرها في انتظاره. تنظر لساعتها و تسر لكونه لا زال دقيقا في مواعيده. تتقدم نحوه بالطريقة نفسها. تحييه التحية ذاتها. وحين تقرأ في عينيه مقدمة مشاكسة لم تزل بعد جنينية، تمد يديها معتصرة مؤخرة رأسه و تدفع بأنفاسها بعد ان تقرب شفتيها من أذنيه، فيشعر ساعتها أنه تحت تأثير طلاسم لساحر أنفق كل عمره في تركيب تعويذته.
تبدا مساحات الافق تتقلص. تتوارى النجوم و السماوات. و تغوص الوجوه في برك ضبابية مستشعرا أن قلبه و قلبها هما آخر حصن متبقي يحفظ الحياة في هذا الكون. و بنتابه إحساس قوي في انه يستحم في نفس النهر مرتين.
يحاول ان ياوي إلى ما تبقى من عزمه كي يعصمه من الرضوخ. يلتقط آخر صيحات نداء الارتقاء. بدا له وهو ملفوف بكل تلك الحرارة أن التصويب كيفما كان نوعه هو حياة مستعملة لا تليق أبدا بحياة أصيلة لا تشكو عطبا أو كسرا. و ان اي كلام خارج اللحظة وهي تعاش هو مجرد كلام مشعوذ امتهن نفسير احلام الناس دون ان تكون له القدرة على تذوق روعة الاحلام.
رغب في أن يتورط اكثر. اجتثته الريح من طراوة الحياة، و قذفت به إلى زمنه الشاحب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى