د. زياد الحكيم – الطفل العدواني والطفل الضحية

يولد الناس بدرجات متفاوتة من الذكاء والقوة البدنية. البعض ذكي جدا والبعض الاخر ليس كذلك. ولكن معظم الناس متوسط الذكاء. وعلى النحو نفسه، البعض قوي الجسم، والبعض الاخر ضعيف. ولكن معظم الناس متوسط القوة البدنية.

من الناحية النفسية ايضا البعض قوي والبعض الاخر ضعيف. ويقع معظم الناس بين هؤلاء واولئك. وهذا العامل النفسي على درجة كبيرة من الاهمية لانه الاساس الذي يقوم عليه الاداء البدني والعقلي. فالفرح يجعل الانسان يقبل على الحياة بقلب مفتوح وعلى العمل بحماسة. والحزن يشل القدرة على الحركة.

ومن الاطفال من يماثل غيره في درجة الذكاء والقوة البدنية، ولكننا نجده غير ناجح في المدرسة او في علاقاته الاجتماعية. هنا لا بد من الاعتراف بان الظروف الحياتية لهذا الطفل تركت اثرا واضحا في نفسه فجعلته يتخلف عن اقرانه في التعلم وفي الاستمتاع بالحياة. ولعلنا نجد اخوة هذا الطفل قادرين على مواجهة الحياة بقوة وعزم في حين نجده يواجه الحياة بصعوبة وعناء. ويصف علماء التربية هذا الطفل بانه ذو شخصية هشة وانه حساس الى درجة تجعله عرضة للتأثر المفرط بكل ما يمر به من خبرات حياتية ومدرسية واجتماعية.

وتحدد شخصية اي واحد منا في اي مرحلة من مراحل الحياة بدرجة الهشاشة التي ولد فيها ونشأ عليها في السنوات الاولى من طفولته. ومن الواضح ان الاشخاص ذوي الشخصية الهشة يجدون صعوبة في التكيف مع محيطهم ويظهرون انماطا من السلوك غير السوي. وغالبا ما تكون العلاقة بين الام والابن علاقة صعبة اذا كان احدهما ذا شخصية هشة. واذا كان لكليهما هذا النوع من الشخصية فان العلاقة بينهما تكون في اغلب الاحيان علاقة ضعيفة يعوزها الوضوح والحزم.

واذا وجد هذا الطفل ذو الشخصية الهشة نفسه في وضع صعب فقد تكون استجابته إما عنيفة وعدوانية او سلبية. وقد نجد ان الطفل العدواني نفسه يميل الى الانسحاب. ولعل السبب في ذلك انه هو ايضا يجد صعوبة في اقامة علاقات مثمرة مع الاخرين نظرا الى الهشاشة في تكوينه النفسي. ولكن اذا قبلنا بنتائج بعض الدراسات التي تقول ان الطفل العدواني يميل الى الشعور بالقلق ولا يعاني من هشاشة في شخصيته فان سلوك الطفل العدواني يمكن ان يفسر بانه سلوك اناني. فهو لا يكترث لمشاعر الاخرين لانه منشغل بنفسه وعالمه الداخلي.

من هو الطفل العدواني؟

هو الطفل الذي تمتلكه رغبة قوية في السيطرة على الاطفال الاخرين واصدار الاوامر اليهم واذلالهم اذا شعر بانهم اقل منه قوة او اصغر منه سنا. وهو يفعل ذلك لشعور ضمني بانه في عالم يعاديه وبانه اذا لم يمارس عدوانيته فانه قد يغدو ضحية لعالم قاس لا يرحم. ولذلك تجده لا يتعاطف مع الطفل الضحية الضعيف ويقنع نفسه بان الطفل الضحية يستحق الوضع الذي هو فيه.

ويقع جانب من المسؤولية عن تنمية هذا الشعور عند الطفل على الاهل الذين لا يرسمون حدودا لسلوك الطفل وانما يشجعونه على ممارسة العدوانية ظنا منهم ان العدوانية مظهر من مظاهر الشخصية القيادية القوية. وربما يكافئون هذه النزعة عند الطفل بشراء الهدايا له كدراجة او كومبيوتر او باشعاره بانه ذو هيبة وسطوة.

ويظهر الطفل العدواني افتقارا واضحا للاحساس بالخطأ والصواب. وترجع مسؤولية ذلك ايضا الى الاهل الذين لا يرسمون له الحدود الفاصلة بين السلوك المقبول والسلوك غير المقبول ظنا منهم ان رسم هذه الحدود يقيده ويحد من قدرته على الابداع.

من هو الطفل الضحية؟

يعاني الطفل الضحية من درجة لا يستهان بها من عدم الشعور بالامان. وهو كثير الحذر والحساسية ويميل الى الهدوء ولا يظهر قدرا كبيرا من الاحترام لذاته والثقة بنفسه. ولذلك نجد ان له عددا صغيرا من الاصدقاء. وهنا ايضا نجد ان الاهل والمعلمين يتحملون قدرا من المسؤولية في تغذية الشعور بعدم الامان عند الطفل بتحديد اهداف غير واقعية وبدفع الطفل دفعا الى تحقيقها. وهم يدفعون الطفل الى الهدوء والحساسية المفرطة وانخفاض درجة احترام الذات بالمغالاة في ردود افعالهم لاخطائه وبرفضه وعزله والتشدد في معاملته. وقد يعود السبب في سلبية الطفل الى ميل الاهل المفرط الى حمايته لانه الطفل الوحيد مثلا او لانه ضعيف البنية او لان الاهل يشعرون بالرضى عن انفسهم لانهم يقومون بواجبهم في حماية الطفل.


[email protected]
لندن - بريطانيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى