أدب أندلسي صلاح فضل - هويت هلالا

موشح آخر لابن القزاز، صادم في مطلعه، لكنه رقيق شديد الولع بالمحبوب الذي يتغزل به، ومصدر الصدمة أنه يصفه في البداية بأنه “علق” وهي تعني في العربية “النفيس الذي يتعلق به القلب” لكنها أصبحت تعني في اللهجات العامية “المخنث” وعلينا أن نردها إلى أصلها ونحن نقرأ:
“بأبي علق/ بالنفس عليق
هويت هلالا/ في الحسن فريدا
أعار الغزالا/ ألحظا وجيدا
وتاه جمالا/ لم يبغ فريدا/ في حسن اعتدالِ
زانه رشق/ والقدر رشيق”

وفداء المحبوب بالأب علامة على شدة الولع به، والشاعر يشرح مفهوم الوصف من تعلق النفس به، ويصف فرادة المحبوب في حسنه، فهو الذي يعير الغزال لحظه وجيده، فيتيه بمالا نريد عليه في الحسن، جامعا بين رشق النظرات الساحرة ورشاقة القد الباهر، وهنا نلاحظ أن الشاعر يريد المادة اللغوية على هواه في بعث اشتقاقاتها وإضفاء الدلالات الشعرية عليها، ثم يقول:
“بدر يتغلب/ بالسحر المبين
عذراء معقرب/ على ياسمين
سوسان مكتّب/ بورد مصرن
لما لاح يسحب/ ذيول الجمال
عن لي خلق/ بالعشق خليق”

والعذار هو ما يتدلى من شعر الصدغ على جانب الوجه، ويقال له السوالف، وكان يأخذ شكل العقرب في التوائه ونعومته، وهو من معالم الحسن التي فتن الشعراء في غواياتهم الطريفة، وابن القزاز يضعه هنا في حرش صغير من الزهور اليانعة من ياسمين وسوسن وورد نضير مصون على صدغ محبوبه فيجر أذيال الجمال ويبدو خلقا خليقا بالعشق. وقد ترشح كل هذه الأوصاف أن يكون المحبوب صبيا مذكرا، لكن عادة الشعراء في شفراتهم الغزلية أنهم لا يميزون في الجمال بين النوعين، فالفتنة مقسومة لديهم بالتساوي، وإن كان الأحق بها في أذواق العارفين الأسوياء أن تختص بالنساء.

ثم يمعن المقطع الثالث في هذا التمثيل الجمالي لأحوال المحبين فيقول:
“جفاني يعيش/ لوقفي عليه
لو بالنفس ريش/ لطرت إليه
للحسن جيوش/ على مقلتيه
واللحظ المريش/ بالسحر الحلال
فله مشق/ والقلب مشوق”

فالهجر هو الذي يشعل مواجد المحبين، فيودون لو نبت لهم الريش حتى يطيرون إلى المحبوب فهو الذي حشد جيوش الفتنة في مقلتيه، وأنبت السهام النافذة بالسحر الحلال في نظراته، فله رشاقة القد في طوله ودقته وحسنه، وللقلب أن يتلظى بالشوق نتيجة لكل ذلك. ونلاحظ أن الشاعر يصرّ في خاتمة كل مقطع أن يولد المعاني بالاشتقاق اللفظي بين الرشق والرشيق، والخلق والخليق، والمشق والمشوق، فيجمع بين الصياغة السهلة الرصينة والإيقاع السلس الجميل.


صلاح فضل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى