أدب أندلسي صلاح فضل - يا أهيل الحي

نأتي إلى المقطع الرابع من موشحة ابن الخطيب في معارضته لابن سهيل، إذ يقول:
يا أهيل الحي من وادى الغضى
وبقلبى مسكن، أنتم به
ضاق عن وجدي بكم رحب الغضا
لا أبالي شرقه من غربه
فأعيدوا عهد أنس قد مضى
تعتقوا عانيكمُ من كربه

ولصيغة التصغير في الشعر العربي من أهمية دلالية، فبينما ترد حينا كي تشير إلى التقليل المادي او التحقير المعنوي، إذا بها في سياقات أخرى ترد على العكس من ذلك لتدل على التعظيم وما يترتب عليه، وهذه الصيغة أثيرة عند الأندلسيين عامة وأهل غرناطة خاصة، ومنهم ابن الخطيب.

فإذا قرأنا للمتنبي مثلا، وهو المعبر عن الضمير المشرقي قوله:
أذم إلى هذا الزمان أهليه
فأعلمهم فدم وأحزمهم وغد
لم يداخلنا الشك في أن تصغير أهل يعني تحقير أبناء الزمان والاستهابة بهم في منظور المتنبي النرجسي. لكن هذه الصيغة “أهيل” في مقطوعة ابن الخطيب تحمل معنى التحبب، فتشير إلى أهل الموطن الغالي في الأندلس، ويظل هذا التقليد ماثلا في الثقافة الأندلسية حتى بعد انتهاء اللغة العربية وسيادة الإسبانية فيها، فيكتب الشاعر الغرناطي جارثيا لوركا فصلا ممتعا عن دلالات التصغير المحببة لدى سكان غرناطة والأندلس الحاليين في اللغة الإسبانية، واصبح التصغير فيها مناطا للملاطفة والتحبب والإعجاب، تماما كما كان يقصده ابن الخطيب في حديثه عن “ أهيل الحي”، وهنا نجده يستخدم عبارة “وادي الغضى” وهي إشارة ثقافية بالغة الأهمية لإرتباطها العميق بقصة عربية صارت أسطورة وهي قصة “مالك بن الريب” فى قصيدته الشهيرة التي رثى بها فقال في مطلعها:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بوادي الغضى أزجي القلوب النواجيا

يستعيدها ابن الخطيب ليشير إلى موطن أهله في الأندلس، حيث جعل قلبه مسكنا حلّوا به، أما حنينه إليهم فقد ضاق عنه ولم يسعه الفضاء بأكمله.
واتقوا الله وأحيوا مغرما
يتلاشى نَفَسا فى نفس
حبس القلب عليكم كرما
أفترضون عفاء الحُبُس

تعيد القافية السينية ابن الخطيب إلى الاقتراب من ريح ابن سهل، حيث يعمد لتكرار قافيته في سياق مختلف، فالأول يقول:
ليس لي في الأمر حكم بعدها
حل من نفس محل النفس

فيأتي الثاني ليشهد بأن نفسه قد أخذ يذوب ويتماثل للموت وهو بعيد عن وطنه، فيستخدم إشارات دينية وفقهية لم يرد مثلها عند ابن سهل اليهودي الأصل، يستخدم ابن الخطيب صيغة “اتقوا الله” يحث بها أهله أن يرحموا قلبه، وليس من المروءة أن يتسببوا في هلاك الوقف وهم المنتفعون به.


صلاح فضل.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى