جعفر الديري - جحا الضاحك المضحك

في كتابه «جحا الضاحك المضحك»، يعدُّ عباس محمود العقاد، جحا من أهم الشخصيات التاريخية الضاحكة التي أضحكت الناس بنوادرها وذكائها حيناً، وغفلتها حيناً آخر، ورغم حكايه أشهر نوادر جحا وتتبعه لهذه الشخصية عبر التاريخ، يتساءل العقاد: أكانت شخصية حقيقية أم نسجاً من الخيال؟
ويورد أحمد بن محمد بن عثمان الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء» «أن جحا هو «أبو الغصن ، صاحب النوادر ، دجين بن ثابت، اليربوعي، البصري. وقيل: هذا آخر. رأى دجين أنساً، وروى عن أسلم، وهشام بن عروة شيئاً يسيراً. وعنه: ابن المبارك، ومسلم بن إبراهيم، وأبو جابر محمد بن عبد «ص: 173» الملك، والأصمعي، وبشر بن محمد السكري، وأبو عمر الحوضي. قال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: ما يرويه ليس بمحفوظ. وروي عن ابن معين قال: دجين بن ثابت هو جحا. وخطأ ابن عدي من حكى هذا عن يحيى، وقال: لأنه أعلم بالرجال من أن يقول هذا، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك، ووكيع، وعبدالصمد، فهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا. وأما أحمد الشيرازي، فذكر في «الألقاب» أنه جحا، ثم روى عن مكي بن إبراهيم قال: رأيت جحا الذي يقال فيه: مكذوب عليه، وكان فتى ظريفاً...
قال عباد بن صهيب: حدثنا أبو الغصن جحا -وما رأيت أعقل منه- قال كاتبه: لعله كان يمزح أيام الشبيبة، فلما شاخ، أقبل على شأنه، وأخذ عنه المحدثون. وقد قيل: إن جحا المتماجن أصغر من دجين، لأن عثمان بن أبي شيبة لحق جحا، فالله أعلم. وكذلك وهم من قال: إن أبا الغصن ثابت بن قيس المدني هو جحا».
لقد صممت جميع الشعوب والأمم، (جحا) خاصاً بها بما يتـلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف الحياة الاجتماعية فيها. ومع أن الأسماء تختلف وشكل الحكايات ربما يختلف أيضاً، إلا أن شخصية (جحا) الذكي البارع الذي يدعي الحماقة وحماره لم تتغير وهكذا تجد شخصية نصر الدين خوجه في تركيا، وملا نصر الدين في إيران وكردستان. ومن الشخصيات التي شابهت جحا بالشخصية إلا أنها لم تكن به فنذكر غابروفو بلغاريا المحبوب، وأرتين أرمينيا صاحب اللسان السليط، وآرو يوغسلافيا المغفل.
ويلاحظ الباحثون أنه بعودة بسيطة إلى التاريخ نكتشف أن كل هذه الشخصيات في تلك الأمم قد ولدت واشتهرت في القرون المتأخرة، مما يدل أنها كونت شخصياتها بناء على شخصية دجين العربية الذي سبقهم. بل إنك تجد الطرائف الواردة في كتاب «نوادر جحا» (أي جحا العربي) المذكور في فهرست ابن النديم (377هـ) هي نفسها مستعملة في نوادر الأمم الأخرى ولم يختلف فيها غير أسماء المدن والملوك وتاريخ وقوع الحكاية مما يدل على الأصل العربي لهذه الشخصية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى