عبدالقادر وساط - من أحلام الكاتب الأمريكي تشارلز بوكوڤسكي

رأى تشارلز بوكوڤسكي، فيما يرى النائم، أنه في حانة الطائر الأزرق، بشارع سان برنار، بمدينة باريس.
كان واقفا عند الركن القصي من الكونطوار، يشرب كؤوس الجنّ، GIN،واحدة بعد الأخرى، ويتحدث إلى البارميطة الحسناء، ويقرص خدها أو صدرها كلما اقتربت منه، ثم يضحك ضحكة عالية، وينفث دخان سيجارته الكثيف.
كانت الحانة لا تزال شبه خالية من الزبائن.
فجأة سمع البارميطة تقول: "رباه" وهي تنظر جهة الباب، واضعة يديها على خديها.
التفتَ فلاحَ له شيخ أعمى، تقُوده فتاة حسناء، وهو يمسك عكازته بيمناه.
ورآهما يدلفان معا إلى الداخل، بخطوات بطيئة، ثم سمع الشيخ يقول للفتاة:
- يا ابنة الشريد الأعمى، يا أنتيغون، في أي مكان نحن الآن؟ وإلى أين قادتنا أقدامُنا المنهَكة؟
قالت الفتاة:
- نحن في حانة الطائر الأزرق، أيها الملك، في شارع سان برنار، بمدينة باريس.
أمسك الشيخ عكازه بكلتا يديه ثم قال:
- يالقسوة القدر، يا أنتيغون! هذا والدك الملك أوديب صار يرغب في سيجارة رخيصة يدخنها، فلا يجدُ من يَجُود بها عليه.
تنهدت أنتيغون بضجر وقالت له:
- أنا أيضا أشعر برغبة شديدة في التدخين.
كانت أنتيغون ترتدي تنورة سوداء وقميصا أسود بلا أكمام، وكان جزء من صدرها النافر عاريا، باديا للعيان. أما أوديب فكان يضع على كتفيه معطفا بنيا سميكا، ويخفي عينيه بنظارتين سوداوين.
بقي بوكوڤسكي يتابع المشهدَ باهتمام، ثم سمع الأعمى يقول لابنته:
- يا ابنة الشيخ الأعمى، انظري إن كان في هذه الحانة شخص يعرفنا ونعرفه.
لاحظ بوكوڤسكي أن البارميطة قد اضطربت وامتُقع وجهها عندما اقترب منها الشيخ وابنته.
مباشرة بعد ذلك، تقدمت أنتيغون مسرعة باتجاه الكونطوار، وبقي والدها واقفا وحده.
تفرست أنتيغون طويلا في البارميطة الحسناء، ثم صرختْ فيها:
- إيسمين؟ أختي إيسمين؟ كنت أعرف أننا سنجدك في هذا المكان؟ لكن أجيبيني، كيف صرت بارميطة في حانة، يا سليلة الملوك؟ ولماذا لم تخبرينا بأي شيء؟
ثم أشارت إلى الشيخ الأعمى وواصلتْ قائلة:
- انظري إلى أبيك الملك! لقد فقأ عينيه وهرب من مدينة طيبة ليعيش مشردا في الطرقات!
بقي بوكوڤسكي ينظر باستغراب إلى إيسمين، التي قالت لأختها أنتيغون بنبرة محايدة:
- أو لم يتنبأ العراف تيريزياس بكل هذا؟
قالت أنتيغون:
- بلى، ولولا نبوءته لما جئت بأبي الأعمى مباشرة إلى هذا المكان.
تناول بوكوڤسكي كأسَ الجن وشربها دفعة واحدة، ثم شرع يقول بصوت مسموع:
- اللعنة! اللعنة! تبا لهذا العراف تيريزياس! سيجيء حتما إلى هذه الحانة، بعد قليل، لكني سأهشم رأسه قبل أن ينطق بنبوءة جديدة.


----------------------------------------
( من كتاب: النمر العاشب)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى