د. زياد الحكيم – الطفل والخجل

يتمنى كثير من الاهل ان يكون اطفالهم قادرين على تكوين صداقات بسهولة وعلى الشعور بالراحة والاطمئنان عندما يتحدثون الى الاخرين. ولكنهم قد يجدون هؤلاء الاطفال – بسبب الخجل - ينكمشون على انفسهم، ويختبئون وراءهم، ويمسكون بملابسهم، وكأنهم يخشون ان يواجهوا العالم وحدهم اذا التقوا بشخص جديد او اذا وجدوا انفسهم في وضع اجتماعي جديد. ويرفض هؤلاء الاطفال ان يحاولوا القيام بنشاط غير مألوف. ويدفعهم الاهل دفعا للمحاولة، وقد يوبخونهم توبيخا شديدا. ويشعر الاهل بعد ذلك بكثير من خيبة الامل والاحباط لان الصغار لا يستجيبون.

ننسى نحن الكبار او نتناسى اننا خجولون في اوضاع كثيرة. فكل انسان هو انسان خجول الى حد ما. ولكن الكبار اقدر على التكيف مع الاوضاع الجديدة. ولم يتعلم الاطفال هذه المهارة بعد. ولذلك فهم اكثر حرجا واشد توترا في الاوضاع الجديدة.

تذكري ان الطفل لا يختار ان يكون خجولا. وتقول بعض الدراسات ان نحو اربعين بالمئة من الاطفال خجولون. ويعتقد المتخصصون ان الخجل في جانب منه ذو منشأ وراثي. فبعض الاطفال يولد خجولا، كما يولد البعض بعيون رمادية او بشعر اجعد. وليس بامكاننا ان نغير هذه التركيبة الوراثية، ولكن بامكاننا ان نساعد الطفل الخجول على ان يكون اكثر استرخاء وقدرة على التكيف مع الاوضاع الجديدة.

قللي ما امكن من انتقاد الطفل الخجول فهو يتعرض لما يكفي من الانتقادات في كل مكان يذهب اليه. تقول الام لطفلتها الخجولة: لا تكوني جبانة كعادتك. شاركي في المسرحية المدرسية. أبلغي المعلمة انك مهتمة فقد تعطيك دورا في المسرحية. ان هذا الاسلوب يرسخ لدى الطفلة الاحساس بالخجل والضعف. والاطفال ذوو الطبيعة الخجولة يتعرضون لانتقادات تشعرهم بان الضعف متأصل في شخصياتهم الامر الذي يقوض احساسهم بالثقة ويقف عائقا امام رغبتهم في محاولة القيام بانشطة جديدة.

تجنبي وصف الطفل بانه خجول. فالطفل الذي يسمع الاهل يصفونه بالخجول يتعزز احساسه بالخجل ويزداد احجامه عن القيام بالمبادرة في اي نشاط من النشاطات. فهو يتصرف في ضوء ما هو متوقع منه. كما ان كلمة خجول قد تأخذ معاني اخرى في ذهنه مثل ضعيف، ومنسحب، وقليل الحيلة. وهذا كله لا يساعد في بناء ثقته بنفسه. ولذلك يجب ان تختاري كلماتك بحذر عند التحدث عن الطفل امامه وفي حضور الاخرين. فاذا قلت له: لا بأس في ان تأخذ وقتا اضافيا لتعتاد على وضع جديد، فان ذلك يبين له انك متفهمة لوضعه وتحترمين مشاعره. وهذا افضل بكثير من ان تصيحي به: لماذا انت جبان الى هذه الدرجة في كل وقت وفي كل مكان؟ وعندما تتحدثين الى المعلمة عنه استعملي عبارات ايجابية مثل: ارجو ان تتفهمي ان مازن هادىء قليلا في الاوضاع غير المألوفة له. وهذا افضل من ان تصفي مازن بانه خجول دائما.

يعاني الطفل الخجول في الاغلب الاعم من درجة متدنية من احترام الذات. فهو لا يتمتع بالقبول من التلاميذ الاخرين في المدرسة. ولا يقع عليه الاختيار للمشاركة في لعبة كرة القدم مثلا. ولان الطفل لا يحاول المشاركة في حلقات المناقشة في الصف ولا يرفع يده للاجابة على سؤال طرحته المعلمة، فان من المرجح ان يعتقد البعض ان ذكاءه ليس بالدرجة المأمولة. ولكنك تعرفين نقاط القوة في شخصية طفلك. وهذا يساعدك في تعزيز ثقته بنفسه واشعاره بانه ذكي ومحبوب.

واذا كان لطفلتك صديقات قليلات في سنها، فان بامكانك ان تشجعيها على اللعب مع اطفال اصغر منها سنا. وهذا قد يعطيها الشعور بانها اكثر خبرة منهم واقدر على ادارة اللعب. واذا كان طفلك لا يحب الذهاب الى بيت طفل آخر قد يكون اكثر ترحيبا بفكرة ان يأتي الطفل الآخر الى بيته. فهذا يشعره بانه في بيئته الخاصة وبأنه المضيف وليس الضيف. واذا كانت الطفلة لا تشارك في المناقشات التي تدور في الصف، فبامكانك ان تتحدثي الى معلمتها بهذا الشأن وتقترحي ان توضع الطفلة في مجموعة اصغر من التلاميذ او ان تشجعها المعلمة على التعبير عن نفسها بالكتابة او بالرسم.

وفي البيت لا تسمحي للاطفال الاكثر جرأة وانطلاقا ان يأخذوا الساحة كلها على حساب الطفل الخجول. ابلغي هؤلاء الاطفال ان يتوقفوا عن الحديث وان يستمعوا الى الطفل الخجول. ليأخذ كل الاطفال بمن فيهم الخجول منهم نصيبا عادلا من الوقت والاهتمام.

اعطي الطفل الخجول فرصة عادلة للقيام بمسؤوليات في البيت. علميه مثلا ان يجيب على الهاتف ودربيه على انه يكون صوته واضحا وعلى أخذ رسالة واضحة من الشخص الاخر على الهاتف: من هو، وماذا يريد، ومتى سيتصل مرة اخرى الخ. هذا من شأنه ان يساعده في بناء مهارات في التعامل مع العالم الذي حوله.

وقبل الذهاب الى حفل عيد ميلاد مثلا، او اي حفل او تجمع آخر، تحدثي اليه عما هو متوقع في الحفل. من سيكون حاضرا؟ ومتى يتوقع ان ينتهي الحفل؟ وما هي الاطعمة المتوقع ان تقدم فيه؟ . . . هذا من شأنه ان يقلل التوتر الذي يشعر به والرهبة من المواجهة. وقد يكون من المفيد تبادل الادوار مع الطفل في جو مرح. قولي له مثلا: لنفترض انا ابو رفيقك ماهر. أمد اليك يدي لاصافحك. ماذا يمكن ان تقول لي؟ وماذا يمكن ان تفعل؟ بعض الاهل يتجاهل تعليم الصغار مهارات اجتماعية اساسية مثل المصافحة وتقديم انفسهم لشخص جديد والنظر الى الاخرين بقوة وثقة. هذه المهارات الاجتماعية تنمي عند الطفل احساسا بالثقة والقوة.

وجدير بنا ان نتذكر ان الطبيعة الخجولة ليست شيئا مذموما دائما. فالاطفال الذين نصفهم بانهم خجولون يمتنعون بسبب خجلهم عن الانجراف وراء الطائشين من الرفاق ويمتنعون عن القيام بانشطة تنطوي على اخطار. فهم يترددون في الركوب في سيارة مع انسان غريب مثلا. وعندما يصبحون في سن المراهقة سيكونون اكثر حرصا عند مواجهة الاخطار.


[email protected]
لندن - بريطانيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى