محمد الحليوي - على هامش اللزوميات.. إلى المعري

لعل موتاً يريح الجسم من نصب = إن العناء بهذا العيش مقترنُ
(المعري)


أبا العلاء، أحقّاً أنتَ في دَعةٍ = من الُخطوب، وفي سِلمْ منَ الكُرب
هل في رُقاَدِك في بيتٍ تُقيم به = على الغضاضة، ما أغْنَى عن النَّصب
وهل طريق الرّدى زهراءُ مونقَةٌ = أم حفَّها الله بالوْيلات والحَرَب
وكيف كأسُ الرَّدى هل في ثمالتها = خَمْرٌ، وهل شربها أشهى منَ الضَّرَب
وما رأيتَ وراء القَبْر من عمهٍ = حارت عقُول الورى في سِره العَجَبِ
أبا العلاءِ، لقد حاولتَ مُجْتهداً = فكَّ الرُّموز، وكشفَ السرَّ عن كَثَبِ
فما رأيتَ سوى طخياَء حالكةٍ = وكنتَ تنظر خلف الباب من ثقب
واليومَ ها أنتَ لا بابٌ ولا حجبٌ = فقل لنا مَا وراَء الباب والُحُجبِ
ما علة الكون. . . ما سرُّ الوجود، وما = في هذه الأرض من صدقٍ ومن كذب
ما غايةُ الحيّ من دنيا يُقيم بها = وما يُراد بها من عَيْشه اللَّجب
والموتُ ما هو. . . هل جسر نمرُّ به = أم هُوَّ غايتنا من كلَّ ذا التَّعب!
هيَ الحقيقة تحكي ربةً ملكتْ = عرش الأُلْمبِ على الأرْباَبِ والرسُلِ
وجرّبتْ سحرَهاَ في الأرْض فافتَتَنَتْ = به الخليقةُ من فَسْلٍ ومن بَطل
خلفَ النّقاب بَدَتْ هَيْفَاَء ساحرةً = تبادل الصبَّ أفناناً من الغزل
أهلُ الصَّبابة في الأشواقِ ما برحوا = يَسْتَشْهدون ولا يحظَوْنَ بالقبَل
كم من قتيلٍ قَضى في حُبَّ ربّته = وكم رماه الهوى بالحادث الَجلَلِ
لكنَّ رَّبتَهُ ظْمأى إلى دمه = لا ترْتَوي الدهرَ من علٍ ومن نَهل
أبا العلاءِ، لقد راعتك نَضْرَتها = فهمتَ مفتتناً في حبّها الأزلي
وعشتَ رهنَ العمى والحبس في شظفٍ = تنهى لها كلَّ ما تأتيه من
وقد مضيتَ وما أدْخلتَ هيكلَها = ولا أحَلَّتْكَ يوماً قنةَ الجبل
وكَيْفَ! وهي التي في الدهر ما رفعتْ ... عنها النّقاب، ولم تُسْفرْ إلى رجل
كلٌّ مشوقٌ وكلٌ آملٌ ظفراً = بوصل لَيْلَى، وكلٌّ خائبُ الأمل
يا ليتَ شِعْرِيَ هل تُخفي غلالتُها = ملاحةً، أم حِمَى ليلى على دَخَل
أبا العلاء، وهل أجدَتْك موجدةٌ = على الحياةِ وتجديفٌ على القدر
الكونُ ما زال مثل العَهْدِ مشكلةً = وسرهُُ مُضمَرٌ في مُغْمَرِ العُصُر
والدهر يمشي. . فلا شكْواك تُوقفه = ولا سبابك يثنيه عن الوطن
يمشي لِطِيِته والحيّ يتبعه = يأتي على الكُرْه أو يأتي على قدَر
رحاهُ لا تنتهي في الدّهر ضجّتْها = ولا تدورُ الرَّحى إلاّ على البشر
وما عَلِمْنا على التحقيق من خَبرٍ = سوى القُصور على الإتيان بالخبَر
نمشي على الدَّرب في جَهْلٍ وفي عمةٍ = والليل في حلك والدَّربُ في خطر
ما تطلعُ الشمس مصباحاً لترشدَنا = كلا، ولكنّها رمْز على الَحَقر
والبدرُ يضحك في عليائه أبداً = وكيف لا. . وهو يَلْقانا على سَخَر
وذا الفضاءُ كتابٌ نُصْبَ أعيُننا = يُتْلَى فيلْقي علينا خالد العِبَر
يقول في كلِّ سطر من صحائفه: = (أفٍ لكم ما لكم في الكَوْن من خطر)
ما أنتمُ في قضاء الله من أحدٍ سوى هباء على الأكَوْان منتَثَر
سَوْأي لكم يا هباءٌ هل ضجيجكُمُ = ولعنةُ الأرض تثني الدَّهر عنْ سفر!

(تونس)
محمد الحليوي


مجلة الرسالة - العدد 62
بتاريخ: 10 - 09 - 1934

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى