السيد إبراهيم أحمد - محجوب موسى.. لم يغادر الميزان..

حين تقرأ كتب الشاعر والعروضي الكبير محجوب موسى تسمع صوته خارجا من كلماتها وخاصة كتابه الشهير: "الميزان"، وكأنما أراد ذلك ليحيا بعد رحيله في قلوب من تعلموا على يديه باللقاء المباشر أو بالتلقي من علمه المبثوث في صفحاته عبر كلماته.

والرجل كابد من العروض صنوفًا من العنت حين شرع في تعلمه، وقد صرح بهذا، فيقول: (لم يشكُ متعلمٌ من علم شكوى دارسي العروض، وقد ذقتُ منه الأمرين في بداية عهدي به، حتى كدتُ أنصرف عنه).

أراد الرجل أن ييسر علم العروض لمن يحبون كتابة الشعر العمودي فعاد إلى الشعر قبل أن يُقعِدَ الخليل الفراهيدي العروض ولم يُعقَّدِه، خاصة وأن "محجوب" يرى أن الذي ألغز هذا العلم النافع هم تلاميذ الخليل وليس هو، ولذا فقد أخذ يعلم ما تعلمه لأبناء محافظته الإسكندرية على مدار ثلاثة عقود قبل أن يضع كتابه هذا بل وضع قبله "دليلك إلى علم العروض" وكتاب "مشكلات عروضية وحلولها" وجمعهما وأضاف لهما الكثير من علمه فكان "الميزان".

لقد بنى الراحل محجوب موسى كتابه على التدرج، يقول: (وكان أن أقدمتُ بعد طول خبرة وتمرس فكان هذا "الغزو" المحجوبي لهذا العنت والجمود)، حتى صنع ما يصنع الغازي العاقل المحب فهدم ما يجب هدمه وأنشاء ما يستحق الإنشاء بل تجاوز أكثر حين وضع من عنده مصطلحات تجاور مصطلحات الأقدمين تارة أو محوها ثم استبدالها تارة أخرى، وخاصة حين تعرض للزحافات والعلل وقد هاله أن المصطلحات القديمة مجموعها ثمانية وعشرون مصطلحًا منها (16) علة و(12) زحافا، فأتى بمصطلحات أقل وتسميات جديدة ينهل منها تلاميذه ولم يعبأ بمن اعترض على تغيير المسميات فقد كان دافعه وراء هذا إطلاق العنان للموهوبين بقول الشعر غير هيابين من قلعة العروض الحصينة.

لم يترك العروضي الكبير محجوب موسى "الميزان" بل جعل صفحاته ناطقة بكلماته التي يرشد بها تلاميذه أو التي يسخر فيها من منتقديه، أو يكرر ما قال ويزيد الفهم في سلاسة وفكاهة وتطبيق وكأنه ما يزال واقفًا يشرح أو يتحلقون حوله في قصور الثقافة بالإسكندرية التي غطاها بزياراته وشروحاته حيث كان يعلم أن الزمن سيطوي صفحة عمره البشرية ولكنه لن يستطيع انتزاعه من صفحات "الميزان" العلمية والشعرية فلم يغادرها بعد.. ومازلنا نسمعه..


[SIZE=6]الدكتور السيد إبراهيم أحمد [/SIZE]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى