فنون بصرية هشام ناجح - فوتوماتون..

مصور الجنَّة: "ابتسم أنت في الجنَّة يا ولد سي عبد السلام". هكذا يقنعني المصور سي عبد الله، محاولاً أن ينقر على آلة التصوير، بعد أن لَفَّ عنقه بسمطها الجلدي، وسيجارته في فمه، فيتناثر الدخان إلى كل جهات الإنارة الجانبية التي منحت وجهي الدبغي بعض النور

الصورة الجادة ترتبط في ذهني بالدخول إلى المدرسة، لهذا، صرت أكره الصور إلى حد كبير، إنها ترتبط بالامتثال للآخر والإملاءات، فتقتل رغبتي في الحفاظ على حريتي، وتزج بي إلى الأرقام واللوائح. الصور في تصوراتي الذهنية لا تصلح إلا للبطائق و كنانش المراقبة. يدمدم سي عبد الله لاطماً سيجارته بسبابته، حتى يخلصها من رمادها: " غداً في الزوال، ستكون صورة الجنة جاهزة يا ولد سي عبد السلام". أحاول أن أفرّ من محل سي عبد الله بأقصى سرعة.

المحل العاري عراء القبر، باستثناء الكرسي، وآلة التصوير الموصولة بخيوط كهربائية بائسة، وكذلك المرآة المحفوفة بالإطار الخشبي المذهب، وعلى حاشيتها يقبع مشط أزرق، لم تفضل منه إلا بعض الأسنان. وقد يتدخل سي عبدالله أحياناً ليرغمك على طريقة تسريحة الشعر، وغالباً ما كان يفضل تسريحة الفريزي الإيطالية، فيقسم لك بكل أجداده، حتى يدب اليقين إلى كل حواسك، بأنه هو من هندم، أنَّق، وشيَّك أغلب أبناء المدينة الذين أصبحوا في مراكز مرموقة، وبعدها يهمس، كأنه سيفشي سراً: " لا أحد يعترف بالجميل يا ولد سي عبد السلام".

ما يعطي بعض القيمة لمحل سي عبد الله؛ هو الواجهة الزجاجية المنمَّقة بصور بعض الأعراس وحفلات التخرج، إلا أن الصورة التي كانت تذكي لهيب التطلع: صورة الشاب صاحب الرأس المقطوع، الذي تفنن في غرس جسده في رمال البحر، وفضل الرأس لوحده. إنها الأيقونة التي تجذب الناس، فيشرعون في تحليل الصورة، والجوانب الخفية في كونها واقعية.

الصورة الوحيدة التي أعطت ديمومة الحضور لمحل سي عبدالله في تصوراتنا الجمعية، عكس صورتي التي قتلت زمنها ساعة نقر سي عبدالله على آلته: طق.. طق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى