شهادات خاصة جعفر الديري - سميح القاسم.. قصيدة فلسطينية تقرأ مراراً وتكراراً وتأويلاً وسبراً

حسب سميح القاسم –هذا الشاعر الفلسطيني الذي ودّعنا الى مستقره الأبدي- أن فتح مساراً في القصيدة الفلسطينينة، يقرؤه الناس مراراً وتكراراً وتأويلاً وسبراً. وحسبه أن كان دليلاً على قدر هذه الأرض الفلسطينية المثخنة بالموت؛ أن تلد نفسها مراراً وتكراراً في القصيدة منذ توفيق زياد إلى محمود درويش إلى سميح القاسم.
مات سميح قاسم موتاً مجازياً، كما هم الشعراء. يقول الناقد زكريا رضي: إنهم يحيون ويخلدون باستعاراتهم. جئني بشاعر مات ونسيته القصيدة؟!.. لن تجد. إن قدر هذه الأرض الفلسطينية المثخنة بالموت أن تلد نفسها مراراً وتكراراً في القصيدة منذ توفيق زياد (أناديكم أشد على أياديكم) إلى محمود درويش إلى سميح القاسم، قدر التجربة أن تحمل الأرض على تفاعيلها ويحورها تماماً مثلما كان ذاك الشاعر الذي حمل قصائده على خشبة فوق ظهره ينتظر من يصلبه عليها. قدر القصيدة الفلسطينية أن تحمل اغترابها بداخلها لا يمكنك أبداً أن تفكك التجربة الشعرية واللغوية عن مأساة الأرض. إنها ولدت بها ومعها بالتزامن.
الأرض عقدة القصيدة الفلسطينية
ولا يرى رضي أن عملية إنتاج الشعر الفلسطيني قد سبقت الأرض وقد يشكل نقدياً على مفهوم كهذا كأن يقول أحدهم إذن أين هو الشاعر وأين ذاتيته؟ لن تجد أبسط ولا أكثر حضوراً من جواب كهذا وهو أن كل قصيدة تحمل جنين تجربتها في رحمها فإن كانت حباً كانت حباً وإن هجاء ولدت هجاء وإن كانت أرضاً ولدت أرضاً ،،،، وهو بالفعل مشكلة القصيدة الحديثة في أجلى صورها لدى درويش والقاسم هي ما سأجتهد مني اجتهاداً خاصاً وأسرق مفهوم ( العقدة ) في السرد لأضعه في الشعر أي أن أعتبر الأرض هي عقدة القصيدة الفلسطينية وذروة الانفعالات واللغة والرمز والعنوان فيها لن تجد الحبيبة إلا في الأرض وبالأرض ولن تجد الغياب والرحيل إلا في الأرض وبالأرض ولن تجد القصيدة إلا في الأرض وبالأرض بل ربما يفوق درويش، القاسم فيما أبعد في أن تتخلق الأرض على لديه لتغدوا أشبه بالآلهة لتتخذ بعداً وجودياً فهي الأم وهي البنفسج وهي الغياب وهي البندقية وهي الحصار (حاصر حصارك لا مفر) وهي الإنسان وهي الأبجدية وهي الاستعارة والتشبيه وهي الشهيد وهي الشاعر ذاته ،،، وهي كل شيء
نص عصي على الموت
ويضيف رضي: أقول ماذا بعد موت امرىء القيس؟ هل مات الشعر العربي ؟ كل موت لشاعر ولادة له. سمة الخلود سمة لغوية بامتياز تماماً شأنها شأن المنحوتة الصخرية والأثر،،،، النص عصيٌ على الموت لأنه يولد بالقراءة والتأويل وما دامت اللغة باقية فالقصيدة باقية لا خوف على القصيدة العربية بعد موت هؤلاء لأنهم أسسوا مجدهم بحروفهم وبقصائدهم. ما عليك الآن إلا أن تستعيد النص من جديد تستعيده قراءة وتفكيكاً ونقداً وتأويلاً ،،،،، وتسعيده شحنة دلالية ،،، كل هذه الآثار لا تنتهي أبداً ولا تموت بل حتى لو افترضنا أن توجه أحدهم لفتح ثغرة في هذا البناء بادعاء السرقة الأدبية - على سبيل الفرض - أو المحاكاة فهو إنما يقوم بعملية إحياء للشاعر من جديد. لا أظننا أن سنبكي الشعر العربي في تجربته الفلسطينية بعد هذين بل سنقرؤهما مراراً وتكراراً وتأويلاً وسبراً وهو مسار لا نهائي في عملية النقد الحديث الذي يؤمن بانفتاح النص وانفتاح دلالاته على المتعدد والمختلف واللانهائي.
موته قصيدة
بدوره يتصور الشاعر حيدر النجم أن موت سميح القاسم في هذه الوقت بالذات؛ قصيدة جديدة من الشجب والاستنكار لهذ العدو، شاء الله أن يكتبها، لكن هذه المرة كتبت هذه القصيدة بالشاعر نفسه، ومكملة لخطه ومنهجه! لقد كبرنا ونحن نقرأ هذه القصائد والتي ربت بداخلنا القضية الفلسطينية. وأجيال أخرى كبرت من خبز هذه الأشعار، وربتنا وربت الكثيرين . فهو جزء من هذه الذاكرة الفلسطينية ووجه آخر لها. وأينما تكون البيئة استفزازية، أطلقت الإدرينالين في الناس، فيولد شعر، وكتابة وفن، والشعراء المُستفزّون سيكبرون.
الغصص قدرهم
من جانبه يعتقد الشاعر زكي السالم، أن قدر المبدعين دائماً أن يمضوا بغصصٍ يتجرعونها بدءاً بالهم الإنساني الذي تتقاذفه مشاعرهم وقلوبهم التي كانت موطئ قدم لكل انفعالات البشرية وجراحاتها، متسائلاً: هل هناك ما هو أكبرُ من الوطن باتساعه وما يُمثله للنفس من حضنٍ يسندُ المبدع رأسه عليه ذاتَ تعب ولأواء؟!
ويضيف السالم: كم كان سميحُ القاسم يمشي مرفوع الهام وبزيتونه وما يرمزه من سلام، طالما حلم أن يفتح عينيه ليزرع قصفته الزيتونية في أرض القدس ساعة تحرر، لكنه مضى وفي قلبه غصص لا غصة واحدة لعل نار غزة أخفها لسعة.
ويتابع: لقد أصبح سميح القاسم وتوأمه محمود درويش؛ ذاكرة القضية الفلسطينية، وليسا من ذاكرتها فقط وبرأيي القاصر أنهما العمود الفقري للمقاومة، إذ لولاهما لما تحركت مقاومة السلاح، فالكلمة كانت ولما تزل هي الرائد الذي لا يكذب أهله وهي القائد الذي تتبعه الجيوش منقادة للنصر، لذا أعتقد بعد رحيل هذين العملاقين رحمهما الله أن الأبجدية الفلسطينية خسرت نصف حروفها، وبتصوري أن زمناً طويلاً سنحتاجه لتعود تلك النقاط التائهة فوق الحروف الفلسطينية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى