شهادات خاصة جعفر الديري - جعفر حسن: النظرة للمرأة البحرينية لا تزال تقليدية

يقول الباحث في قضايا المرأة والمجتمع الناقد الأدبي والفني جعفر حسن، إن النظرة التقليدية للمرأة لم تتغير البتة ولم تتزحزح، مشيراً إلى أن صورة المرأة في التراث صورة تقليدية مربوطة بالأدوار الجنسية وإنجاب الأبناء.
ويؤكد حسن في لقاء مع «الوطن» أن نكران الواقع الاجتماعي لعمل المرأة هو في المتخيل التراثي لا في أفق الحياة، وأن حال المرأة تحسن نسبياً، لكن تبقت أمور كثيرة بحاجة للاشتغال عليها من أجل إنصاف المرأة.
ويلفت حسن لإمكان النظر لصورة المرأة البحرينية ضمن ما أنتجته الثقافة العربية، مشيراً إلى أنه في التراث ما هو إيجابي وسلبي مما يعكس أوضاع المرأة داخل المجتمع، ومن ذلك فإن المرأة في الحكايات التراثية إما مكارة أو ساذجة تقع في الأحابيل.
ويذكر حسن أن اقتصاد الغوص على اللؤلؤ جعل شخصية البحرينية قوية شامخة، وامتدت سطوة المرأة للعائلة الممتدة الحاكمة للعلاقات الأسرية.
* كيف تبدو كما ترى صورة المرأة في التراث البحريني؟ هل هي صورة جيدة؟
- في ظني أنه من المفيد التمييز بين التاريخ والتراث، فالتاريخ باعتباره أحداثاً قامت في ماضي الأمة الغابر وبقيت متجمدة في تلك اللحظات ولم تترك أثراً فاعلاً في حاضرها، وإن كان الحاضر يحتضنه بمعنى من المعاني، فإنه إنما يفعل ذلك باعتبار أن الحاضر ناتج لحركة المجتمع وصيرورته عبر الزمن، وهذه الحركة تتجلى في هذه اللحظة الحاضرة التي سرعان ما ستسقط صريعة لتصبح جزءاً من الماضي، بينما يشكل التراث تلك الفاعلية الحضارية لمجمل العادات والتقاليد والفلكلور والتقنيات وأساليب الإنتاج المادي والفكري التي تواصل فاعليتها في وجودنا الراهن كأمة باعتبارها إرثاً لنا، وهي تتميز بأنها منتجة في ماضينا، ولكنها ظلت فاعلة في حياتنا الروحية والمادية حتى الوقت الراهن، وهي كنتاج لحظتها التاريخية، منها ما حمل جنيناً قابلاً للتطور والتفاعل مع حاضرنا، ومنها ما بقى على حاله مشكلاً عائقاً أمام حركة التطور في المجتمع العربي الإسلامي الراهن.
يمكننا النظر إلى صورة المرأة البحرينية ضمن ما أنتجته الثقافة العربية بعامة مع ميسمها الإسلامي طوال العقود الماضية، ويبدو أن المرأة هنا تتجلى في ذلك الأدب المنتج عندنا ضمن حالة الشفاهة التي عبرت عن تلك العقلية التي أفرزت وضعاً خاصاً للمرأة داخل مجتمعنا الذكوري.
وفي الظن أن تلك الصورة المرسومة عبر ذلك التراث تتلبس المرأة في أطوارها المختلفة عبر رحلة الحياة من الميلاد إلى الموت، ولكنها بصورة شمولية صورت المرأة ضمن حدود أدوارها في علاقات النسب، باعتبارها أختاً وأماً وخالة وجدة وحفيدة وزوجة وأختاً.. إلخ، ووضعتها حبيسة في ذلك التصور ولم تستطع بحال من الأحوال النظر إليها خارج هذه الدائرة المغلقة والمتعلقة بالجنس أساساً مباحة ومحرمة باعتباره هندسة لكيان المجتمع.
إيجابي وسلبي
* وهل كل ما في التراث سلبي؟
- في التراث هناك ما هو إيجابي، وهناك ما هو سلبي في ما عكس من أوضاع المرأة داخل المجتمع، وندخل في مسألة مطابقة صورة المرأة الصغيرة (أصغر البنات) التي تقوم بإنقاذ أبيها عبر دخولها في مغامرة تنتصر فيها، وتلك الحكايات موجودة في أذهان الأمهات والجدات التي تروي تلك الحكايات من خلال تراثنا الشعبي وهي صورة إيجابية كما في حكاية «وافق شن طبقة» وغيرها، كما يمكننا الالتفات إلى تلك الصورة السلبية للمرأة في التراث عندما تكون زوجة للأب حيث تحقد على أبناء الزوج حتى تصل حد قتلهم وإخفاء أعضائهم التناسلية في حظيرة الدواب دلالة على الخصاء الذي تتمناه للذكر (الزوج) الغافل.
بينما نمت صورة المرأة في ألف ليلة وليلة على اعتبار أنها محط الجمال والاشتهاء المباح والمحرم، كما ذهبت صورة المرأة العجوز التي بحكم انقطاعها عن كونها خصبة تصبح قبيحة من الخارج ومن الداخل، فلذا ظهرت على شكل المخادعة التي تحبك الأحابيل من أجل الإيقاع بالجميلة لتوفي غرض البطل، وظلت المرأة العجوز تصور على أنها ساحرة شريرة متآمرة حقودة.. إلخ، لذلك نرى نظرة سلبية لكبار السن على أنهم من الطبيعي أن يموتوا.
وتلعب المرأة في الحكايات التراثية دورين متباينين حيث تكون إما مكارة وتتوافق مع الوصف القرآني بأن كيدهن عظيم أو ساذجة تقع في الأحابيل، وهو ما يتوافق عن المعتقد الشعبي من كون المرأة ناقصة عقل ودين.
بينما تظل الأمثال وعبارات الحكمة متضاربة شأنها شأن الحياة المعاشة، فمن الناحية السلبية يحمل المثل باعتباره حكمة تتناقل عبر الأجيال ما يشير إلى أن المرأة نعل في قدم الرجل يخلعه وقت يشاء، في المقابل نجد نظرة تقول أن (الزوجة) الصالحة من شأنها أن تصلح الحياة، وفي المعتقدات أيضاً أن الجنية التي تخطف الأولاد في قمة الظهيرة تظهر على شكل امرأة ولها رجلا حمار، فترتبط المرأة بشكل غير مباشر بالشر والطقوس السحرية، حتى إنه قد حمل لنا التراث بعض الطقوس السحرية التي تمارسها المرأة العاقر في سبيل الإنجاب عند حجرة «أم حمار»، ونلاحظ ارتباط المرأة بالطقوس السحرية من جهة وتسمية الحجر بلفظ الأم، كما إننا في منطقة الخليج نصور (الخبابة) الجنية التي تخطف الأولاد وتغوي الرجال والتي تعيش في غابات النخيل على أنها امرأة طويلة ملتفعة بعباءة سوداء، رغم أصل الأسطورة المسومري (خمبابا) حارس غابة الأرز، لكن العقل الشعبي عندنا قلبه إلى امرأة لقربها من الشر في المتخيل الشعبي، أو أنها كامرأة تظهر في الحكايات الشعبية عن حرب البسوس ممثلة في الجليلة، فتكون في مرمى نيران الألم وفقدان الهوية عبر الزواج القبلي من خارج القبيلة، فحين يقتل أخاها زوجها، ويفطن ابنها إلى نسبه فيسعى إلى الانتقام من قاتل أبيه فيقتل خاله ويهرب إلى قبيلته التي احتضنته باعتباره رد دم القبيلة، بينما ظلت المرأة لا تستطيع العودة إلى أهلها من قبيلة (بكر) لأنها ببساطة زوجة أم قاتل أخيها والمطلوب للدم، كما لا تستطيع الذهاب إلى أهل زوجها قبيلة (تغلب) لأنها أخت القاتل المطلوب للدم.
عادات الزواج
* وما أكثر ما يشد اهتمامك هنا؟
- إن ما يعنينا من ذلك كله هو مسألة عادات الزواج التي أخذناها عن القبائل العربية من الزواج بابن العم التي مجدتها بالبطولة قصة (عنترة وعبلة)، وقد كانت تمارس هذه العادة عبر تسمية البنت وهي صغيرة كزوجة لابن عمها، تلك العادة التي بدأت تنهار بحكم الحياة المدنية، بينما بقي الزواج الداخلي عبر التمسك بالقيم القبلية السابقة، مما يعطي انطباعاً أننا نعيش ضمن التقاليد القبلية أكثر مما نظن، ولعل إرجاع الزوجة المظلومة إلى بيت الزوجية رغم قناعة الأهل بظلامتها إلا أنها نابعة من تلك التقاليد التي تعتبر أن المرأة عورة لا يسترها إلا ثلاثة: بيت أبيها وبيت زوجها والقبر، كما إن هناك تصوراً تراثياً نابعاً من التقاليد الاجتماعية يقوم على تصور أن المرأة مخلوقة من ضلع أعوج إذا حاولت تقويمها انكسرت، وحتى في ممارسة الجنس يعتقد أن المرأة تمتص طاقة الرجل عبر مائه وتحيله إلى الهلاك، فتظل التقاليد الاجتماعية غير منصفة بحق المرأة، رغم تواتر الحديث عن الرفق بالقوارير، وبر الأم.
جزء من الخليج
* أتجد صورة المرأة البحرينية متقدمة على بقية دول الخليج والعالم العربي؟
- لعلنا بالنظر إلى المرأة في البحرين لا نستطيع عزلها عن منطقة الخليج وسواحله بالتحديد، فقد تشاركت المرأة في البحرين مع كل أخواتها على امتداد سواحل الخليج العربي سمات مشتركة، ويبدو أن التقاليد التراثية قد نبعت من اتجاهين، كان أحدهما الاقتصاد التقليدي ما قبل النفط ومن ثم الانقلاب الهائل الذي حدث مع الاقتصاد الريعي القائم على النفط مع مسحة إسلامية عامة.
وقد أثر اقتصاد الغوص على اللؤلؤ كثيراً على شخصية المرأة البحرينية وجعلها قوية شامخة تمسك بيدها زمام الحياة، وكنتيجة مباشرة لخروج الرجال للغوص طوال أشهر متعددة، جعلت المرأة تقوم بمهام الرجل والمرأة معاً لتمرير الحياة وتربية الصغار وتدبير شؤون المعيشة، فقد خرجت لجلب الأسماك من المصائد القريبة وما يعرف عندنا (بالحظرة) في البحر، كما كانت تقوم بجني ثمار الرطب في فصل الصيف، وقد يذكر من هم في أعمارنا أو أكبر كيف كان أهل النخل يزرعون نخلات مدفونة عميقاً في الأرض حتى لا تستطيل سيقانها لتستطيع النسوة جني الثمار بينما الرجال بعيدون في البحر. كما عملت المرأة قابلة للولادة في الطلق البهيج، وهناك من النساء المشهورات في القرى اللواتي كن يقمن بهذا العمل مازالت أصداء أسمائهن تتكرر في الحكايات التي تنضح بها ذكريات جيل آبائنا الأولين.
لم يترك ذلك المرأة فقط بهذه الحالة وإنما امتدت سطوتها على العائلة الممتدة التي كانت النمط الحاكم للعلاقات الأسرية ضمن التشكيلة الاجتماعية في عموم الخليج العربي، وقد اكتسبت المرأة بحكم تلك الحالة سطوة كانت تلعبها الجدات أو أكبر النسوة في العائلة لتقرير مسائل الزواج، وهن اللواتي يقمن بالغناء في الأفراح وفي ترقيص الأطفال مما يحفظن من الأغاني التراثية المعدة لهذه المناسبات، ومازال كثير من الناس يتذكرون الأهازيج وأغنية مطلعها (تبغينه ولله ما أبغاه.. إلخ) وكن من يقوم بالرقص ضمن تقاليد موروثة تتباين من (الردحة إلى السامري والخماري.. إلخ) من ألوان الرقص المعبر عن طقوس الخصب في جني الثمار والصيد وغيرها من شؤون الحياة، وهن من يقمن بتزيين دار العرس بما يتوفر، ويحرصن على سير الاحتفالات عبر طقوس محددة تشمل مراحل عديدة حتى (التحوال) بذهاب المرأة إلى بيت زوجها، وظلت بعض تلك العادات التراثية تتناقل عندنا إلى الآن، حيث تبدأ المرأة بالتقدم إلى العائلة أولاً ضمن الأعراف والتقاليد الاجتماعية، ثم يذهب الرجال لاستكمال الخطبة وعقد القران.. إلخ.
تجمد التقاليد
* لكن المرأة مازالت في البحرين هي التي تقوم بكل تقاليد الزواج؟
- صحيح.. ومع بروز التعبير السياسي للحركات الدينية، صارت حفلات الزواج مقصورة على النساء في مجتمعنا بينما تضاءلت كل تلك التقاليد التي تعلن الفرح بالغناء وضرب الدفوف والطبول والرقص عند النسوة، بينما يلتقي الرجال للمباركة بصورة عابرة ليست ذات شأن، بينما كانوا سابقاً يرقصون ويزفون الرجل إلى زوجته عبر شوارع الأحياء والقرى، وظلت هذه العادة مقصورة على بعض القرى، ويبدو عمق العلاقة بين المرأة البحرينية والفرح في التراث هو ذلك الإعلان عنه عبر تعليق ثوب النشل (الزري) على سارية العلم لإعلام الناس عن انفجار الفرح في هذا المنزل الذي يرف فوقه ثوب يرتبط بالفرح عادة. ولعل سيادة التيارات السياسية الإسلامية هي التي جمدت معظم التقاليد وخلقت الحالة الراهنة، وأثرت في ما كانت تلعبه النساء من دور متقدم في تلك المسألة عند بعض الفئات الاجتماعية، وهي مسألة جديرة بالبحث من حيث تحول الأدوار الاجتماعية للجندر في مجتمع تسيطر عليه تيارات الإسلام السياسي في أغلبه.
ظهور النفط
* ماذا عن الوظائف التي كانت تقوم بها المرأة البحرينية في التراث القديم.. هل اختلفت عن الحديث؟
- يبدو أن الوظائف العامة التي قامت بها المرأة في عصور الاقتصاد التقليدي متعلقة بما يتطلب من الإنسان القيام به لحل الأسئلة التي تلح عبر الحاجات اليومية للإنسان، فقد عملت المرأة في البحرين في تربية الحيوانات وتسويق ما تنتجه تلك الحيوانات وبيع الحيوانات عند الحاجة، كما كن يبعن ما تتزين به النساء، وقد عرفت المنامة قديماً سوقاً للحريم كانت النساء اللواتي يبعن فيه يسمين (بالحجامات) قريباً من سوق الحدادة القديم في قلب المنامة، كما بعن سعف النخل للطبخ في فريق الحطب، وقد عملن على سف خوص النخل وعمل ما تحتاجه الأسر في حياتها اليومية وبيع الفائض، كما كانت إلى جانب ذلك ربة بيت تقع على عاتقها إدارة البيت وكافة شؤونه، ورغم ذلك ظلت صورة المرأة في التراث تقليدية مربوطة بالأدوار الجنسية وعلاقات النسب، فكان نكران الواقع الاجتماعي لعمل المرأة في البحرين يقوم في المتخيل التراثي لا في أفق الحياة نفسها، وفي ظني أن تلك القيمة مازالت باقية في المخيال الجمعي لمجتمع البحرين، رغم أنه مع الانقلاب الهائل الذي أحدثته عملية اكتشاف النفط مبكراً في البحرين ومع انتشار التعليم قد قلب أدوارها، فظهرت لنا الطبيبة والمهندسة والمعلمة والممرضة والباحثة والعاملة في شتى شؤون الحياة، ولكن النظرة التقليدية لم تتبدل ولم تتزحزح ولم تتغير البتة.
أدوار جديدة
* هل نستطيع القول إن صورة المرأة اليوم أفضل من الأمس؟
- يبدو لي أن الحياة تتقدم وتتبدل وتتغير عندنا نتيجة مباشرة لاستهلاكنا للخيرات المادية عامة، وقد دخلت نظم متعددة للحياة الاجتماعية لم تكن معروفة قبل النفط كالقوانين المدنية كقانون المرور وغيره، وذلك الاستهلاك غير من حياة الناس في دولتنا الريعية ووسع من المشاركة العامة للمرأة في الحياة العامة، ولكن ذلك لم يغير كثيراً من المتخيل الشعبي، لعل أدوار المرأة صارت أكثر رغم قلة مشاركتها في قوة العمل، ولكنها برزت بشكل كبير في أدوار جديدة لم تكن مرصودة بهذا المعنى، في الوقت الذي نرصد فيه اختفاء الرأسمال الاجتماعي من خلال انهيار العادات القديمة من أشكال التكافل وظهور أشكال جديدة مثل كفالة المطلقة.. إلخ، بشكل عام تحسنت حياة المرأة نسبياً عما هي في السابق، ولكن بقيت هناك أمور كثيرة بحاجة للاشتغال عليها لإنصاف المرأة في داخل المجتمع واستكمال دورها كنصف فاعل في داخل عجلة الإنتاج ورفع الظلم الواقع عليها نتيجة لأدوارها «الجندرية».

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى