مساجلة بين عبد المتعال الصعيدي والدكتور ابراهيم ابو الخشب حول تحريف معنى بيت في النحو.

تحريف معنى بيت بالنحو

وعجيب أن يحرف معنى بيت بالنحو وهو لم يوضع إلا لصون اللسان عن الخطأ في الكلام، ليصح المعنى ويستقيم الفهم، وهذا البيت الذي حرف النحو معناه هو قول الشاعر:

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلا لصابر

فأو في البيت من النواصب التي تنصب الفعل المضارع بنفسها عند الكوفيين. وبأن مضمره عند البصريين، وهي في البيت بمعنى إلى، وعلى هذا يكون معنى البيت: ليكونن منى استسهال للمصعب إلى إدراك المنى، لأن الآمال لا تنقاد إلا لمن يصبر على تحمل الصعاب في سبيلها - فهناك صعاب يستسهلها أولاً؛ ثم يكون بعدها إدراك المنى، ويجتمع في ذلك الأمران اجتماع السبب والمسبب؛ ولكن علماء النحو لا يرضون إلا أن تكون أو عاطفة مع كونها ناصبة، ويجعلون المعطوف المصدر المنسبك من الفعل المنصوب بها، ويجعلون المعطوف عليه مصدراً متصيداً من الكلام السابق عليها، ويكون تقدير البيت على ذلك العطف الذي يتكلفونه: ليكونن منى استسهال الصعب أو إدراك المنى - وهنا يقع التحريف في معنى البيت، لأن أو العاطفة لها معان غير معنى أو الناصبة، وقد جمع ابن مالك معاني العاطفة في قوله:

خَيِّرْ أبحْ قَسِّمْ بأو وأبْهِمِ ... واشكك واضرب بها أيضاً نُمى

وربما عاقبت الواو إذا ... لم يُلف ذو النطق للبس منفذا

أما أو الناصبة فتكون بمعنى إلى أو إلا، وكلاهما ليس من من معاني أو العاطفة، ولهذا كان تقدير البيت على العطف تحريفاً لمعناه، وخروجاً به عن معنى إلى المقصودة منه.

عبد المتعال الصعيدي

- مقالة الصعيدي في مجلة الرسالة العدد 398 بتاريخ 17 فبراير1941

***

ثانيا: رد الدكتور ابراهيم ابو الخشب

صواب بيت

في عدد مضى من الرسالة، كتب الأستاذ الباحث (عبد المتعال الصعيدي) كلمة قصيرة، بعنوان خطأ بيت في النحو، اتهم فيها علماء النحو - جميعاً - من يوم أن كان هذا الفن بالبصرة والكوفة إلى أن باض وأفرخ في صحن الأزهر الشريف، ونسب إليهم من السهو والغفلة الكثير الجم، إذ أجمعت مؤلفاتهم وأفكارهم على أن (أو) في البيت:

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلا لصابر
بمعنى (حتى) التي هي للتعليل أو الغاية، وقد هداه بحثه إلى أن هذا المعنى الذي جاءت له (أو) لم يكن واحداً مما استقصاه ابن مالك في قوله:

خيْر أبح (يأو) وأبْهِم ... واشك وإضراب بها - أيضاً - نمى
وربما عاقبت الواو إذا ... لم يلف ذو النطق للبس منفذا

والذي يقرأ الكلمة لأول وهلة، يخيل إليه أن الأستاذ هدم ما بنى البانون، وقوض ما شيد المشيدون في حين أن المسألة - كما يقولون - ليست مما يقال في أمثالها (قضية ولا أبا حسن لها) فإن هذا الذي يقوله ابن مالك، خاص (بأو) التي تتمخض للعطف. . . أما هذه فإنها تكون بمعنى (إلى) إذا كان ما قبلها مما ينقضي شيئاً فشيئاً كالبيت المذكور. . . وتكون بمعنى (إلا) إذا كان مما ينقضي دفعة واحدة. . . كقول زياد الأعجم:

وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما

وتكون بمعنى (لام التعليل) كما يقول القائل: لأعطين الفقير أو يرق لي قلبه. . . على أننا لو رحنا نتلمس (لأو) في كل هذه الأمثلة معنى حرف من الحروف التي جمعها صاحب (الألفية) في بيته - خير أبح إلخ - لما ضاقت علينا السبيل

وهل المعنى في البيت (لأستسهلن الصعب) سوى (ليكونن مني استسهال الصعب وإدراك المنى). . . وهكذا دواليك. . . وقد كان مما يؤثر عن علمائنا، أن نكت النحو - كالورد - تشم ولا تدعك.

إبراهيم علي أبو الخشب


***

ثالثا: رد الصعيدي
تحريف معنى بيت بالنحو

فهم صديقي الأستاذ الفاضل إبراهيم علي أبو الخشب أن ما ذكرته في تحريف معنى بيت بالنحو يدخل فيما يؤثر عن علمائنا - إن نكت النحو كالورد تشم ولا تدعك - والحقيقة أن ما ذكرته في ذلك من صميم النحو وليس من نكته.

وأما الذي ذكره من أن أو المتمحضة للعطف وأو الناصبة، فلم يأت فيه بجديد في المسألة. ونحن حين نجري قول الشاعر: (لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى) على معنى: ليكونن مني استسهال للصعب أو إدراك للمنى، نكون قد خرجنا بأو الناصبة إلى أو المتمحضة للعطف. وقد اعترفت أيها الأستاذ الفاضل بأن أو المتمحضة للعطف لها معاني غير معاني أو الناصبة، فكيف تحمل إحداهما معنى الأخرى؟

وليس بحق ما ذكرته من أن المعنى في البيت على محض العطف، وأن معناه ليكونن مني استسهال للصعب وإدراك للمنى، لأن هذا يجعل ما بعد أو داخلاً في حكم ما قبلها من إثبات ونفي وقسم ونحو ذلك، مع أن المضارع المنصوب بعد أو لا يدخل في حكم ما قبله بذلك الشكل، ويظهر أثر ذلك صريحاً في نحو قولك - لا أكلمك أو أرضى عنك - فأو فيه بمعنى إلى، ولا يصح تقدير العطف فيه، لأنه لا يصح تقديره على العطف - لا يكون مني كلام أو رضاً عنك - لئلا يدخل الرضا في حكم النفي مع أنه ليس بداخل فيه

وكذلك الأمر في نحو - لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى، ولأجتهدن أو أنجح - لأنه على تقدير العطف يكون كاذباً إذا استسهل الصعب ولم ينل المنى، وإذا اجتهد ولم ينجح مع أنه إذا قال - لأجتهدن أو أنجح - فاجتهد ولم ينجح، لا يكون كاذباً. على أنه ليس بعد هذا كله ما يدعو إلى جعل أو الناصبة عاطفة، وإنما ذلك تكلف يلزم البصريين وحدهم

عبد المتعال الصعيدي


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الدكتور ابو الخشب حاصل على الدكتوراة في علوم الادب والبلاغة من كلية اللغة العربية بالازهر، وله العديد من المقالات والمؤلفات في الادب وقصص الانبياء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى