تأويل العلامة الصعيدي لقوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) :

في عام 1955 كتب الشيخ عبد الحميد بخيت عفا الله عنه مقالاً يجيز فيه الإفطار في رمضان لمن شعر بأدنى مشقة استدلالاً بهذه الآية، وزعم أنه تجزئه الفدية عن الصيام.
فأحدث ذلك الرأي الفاسد جلبة بين الناس، وفزع العلماء لبيان فساده، وطالبوا بمعاقبة قائله وفصله من وظيفته، بل هناك من أفتى بردته.
ومن جانب آخر، انتهض العلمانيون مثل طه حسين للدفاع عن الشيخ بخيت، والتوكيد على حقه في الافصاح عن رأيه.
وفي وسط هذه المعمعة، سمت همة العلامة الصعيدي لأمر أهم من ذلك كله، وهو بيان معنى الآية الكريمة، ودرء الإشكال عنها،فصنف كتاباً في ذلك وهو (اجتهاد جديد في آية: وعلى الذين يطيقونه).
وقد بدأ الصعيدي الكتاب بتفنيد التأويلات المعهودة للآية، مثل دعوى أنها منسوخة، وذكر أن القول بنسخها لا يستقيم وسياقها وسباقها، فقال: يرد عليه أنه لو كانت الآية لحكاية تشريع سابق للصوم على التخيير لم يكن هناك معنى لتشريع الفطر فيه بعذر السفر والمرض مع فرض القضاء فيهما، لأن الصوم ثابت فيه على التخيير فهو مباح في ذاته لا يحتاج الى الترخيص فيه بعذر.
وكذا أفسد الشيخ دعوى أن الآية محمولة على الشيخ الكبير، كما هو مروي عن ابن عباس، لأن المعهود في الشرع أن لا تكليف الا باستطاعة، فلا معنى لإيجاب الفدية على الشيخ الكبير غير المطيق للصوم.
فما هو الرأي الذي ارتضاه الشيخ اذن؟
يعتبر الشيخ ان سبب الإشكال هو توهم ان الآية تفيد إباحة الفطر لمن يطيق الصوم بشرط الفدية، وهذا توهم باطل من أساسه، لأنه لو كان كذلك لكان نظم الآية : وللذين يطيقونه فدية، لأنه يكون تقديرها: وللذين يطيقونه فطر وفدية،لكن الآية قالت (وعلى الذين يطيقونه) فهي بصدد بيان غرم لا غنم.
ويخلص الشيخ الى أن الآية الكريمة بينت في صدرها حكم المطيق للصوم المفطر المعذور بإفطاره فقالت (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر)، ثم انتقلت الى حكم المطيق للصوم المفطر بغير عذر فقالت (وعلى الذين يطيقونه)، فأفادت حكمين:
الأول: وجوب القضاء عليه ، فإذا كان على المعذور قضاء فعلى هذا من باب أولى.
الثاني: وجوب الفدية عليه، عن كل يوم صامه إطعام مسكين، عقوبةً له لا كفارةً عن ذنبه.
ويقر الصعيدي ان هذا الذي ذهب اليه لم يسبقه اليه أحد من العلماء، ولكنه يقضي على الإشكال في الآية الكريمة، ويرى انه قول متوسط بين الجمهور الذين لا يرون على المفطر المتعمد بغير الجماع سوى القضاء، وبين المالكية الذين يرون وجوب الكفارة المغلظة(عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا) على المفطر المتعمد بجماع أو غيره.



* منقول من صفحة
الإمام المجدد عبد المتعال الصعيدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى