لطيفة باقا - حكاية سخيفة

وضعت الحقيبة قربها وظلت تنظر إلى الفراغ. مد هو رجليه بكسل أمامه. أيقظها سؤال «الجارسون»، طلبت عصير برتقال ثم أدارت رأسها إلى النافذة. سمعته يدس يده في جيبه باحثا عن علبة الثقاب.
«سيشعل واحدة من سجائره الرديئة».
فكرت أن ذلك مقيت وإذا أضيف إلى هذا القرف والفراغ.
- أرجوك لا تنفث جهتي. إنك تجعلني أختنق.
نفث قليلا من الدخان بعيدا عنها ثم نسي فعاد ينفث جهتها.
لم تستطع أن تتصور كيف تشتاق إليه طول هذه المدة وها هي جالسة أمامه تحدث نفسها عن الحب بعبثية حادة وتحملق في الفراغ. كل شيء
انكسر حولها حتى بدت
محاولة خلق قمر جديد، يغير وجه السماء مستحيلة.
-هل اشتقت إلي؟
- لا، لم أشتق لشيء
نظرت إلى الخارج قبل أن تسمع رد فعله/جوابه. كان هناك
فتى مجنون، يركض ويدع ثيابه الممزقة تطير خلفه كأجنحة. وقفت تراقبه بعينيها حتى توارى.
- ألم تحلم بامتلاك جناحين؟ سألته بحدة مفاجئة.
لم يدهشها صمته، لم تكن تنتظر منه غير ذلك.
الجرسون الوسيم أحضر أخيرا كأس العصير وفنجان القهوة. وضع هو سكرتين ونصفا في الفنجان وأخذ يحرك. لاحظت أنه لم يعد يكتفي بواحدة ونصف. لم تقرب كأس العصير، كانت تعلم أنه سانسوس وأشعرها هذا بالغثيان. المقهى شبه فارغ وفي الخارج كان الشارع يعلن العيشة واحتفال السيقان المكتنزة والأرداف. وضعت يدها على خدها وحاولت أن تفكر في مشروع القمر الجديد الذي سيعوض ذلك المهترئ القديم. صعدت إلى ذاكرتي بعض الكلمات الجميلة التي كان يرددها الأطفال ذلك الصباح الربيعي عندما أخذتهم في رحلة مدرسية إلى الغابة القريبة. بعض الأغاني كانت رائعة وكانت الأصوات الرخيمة تحيي الغابة بعفوية بالغة. الأفواه المشرعة عن أسنان ناقصة (أكلها الفأر!).
دخلت أم ومعها طفلان أشقران، طلبت سانسوس لهما وقهوة لها.




لطيفة باقا

لطيفة باقا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى