أحمد أبو الخير - لماذا تترجم؟؟

هناك مثل شعبي مصري يدور على الألسنة، أحيانًا يُمكن سماعه في مواطن لا يقال فيها، لا تمت له بصلةِ، ولكنها عادة غير مُنفكة، حيث يعمد العقل الفردي على إقحام أمور لا علاقة لها ببعضها داخل نفس النسق، المهم أنّ ” كُل شيخ وله طريقة”، كل إنسان في هذا العالم الفسيح، له طريقة في المشي، لكنة أو لازمة له عند الحديث، تعبيرات وجه خاصة به وفقط، وتصرفاته إزاء مواقف بعينها في هذه الحياة.
الكُتاب شيوخ، رٌسل، أنبياء؛ لأنّ منهم من يُريد تغيير دفة الكون للأفضل، وتوجه الناس للأحسن، ولكن مثلما أخبر الشاعر النمساوي لوركا الشاعر الشاب في رسائله، وحثه على الحفر والنبش داخل سراديب عقله؛ ليُحاول الإجابة عن هذا التساؤل ” هل يجب عليّ أن أكتب؟”، أي أنّه كان يُحاول دفعه إلى معرفة ماهية الكِتابة عنده، وموقعها داخل ذاته.
مثلاً عندك سوزان سونتاج في حوار أجرته قديمًا مع المجلة الباريسية قالت عن الكِتابة “ما كُنت أريده بحق هو جميع أنواع الحياة وحياة الكاتب بدت أحوى الأنواع”
أما الشاعر نزار قباني له قصيدة تحمل عنوان لماذا أكتب؟ يُجيب بها عن هذا التساؤل، يفكك فيها آرائه:
” أكتب ..
كي أفجر الأشياء، والكتابة انفجار
أكتب ..
كي ينتصر الضوء على العُتْمَةِ،
والقصيدة انتصار.”
أما الوجودي جان بول سارتر قال عنها ” الكتابة شغف غير مٌجدٍ”.

هذا حال الكُتاب، ولكن ماذا عن المُترجم؟. المُترجم يبذل جهد مثلما يبذل المؤلف الكاتب جهدًا، الجهد في فهم المعني، وإدراك النص، واستيعاب المقاصد؛ لتوصيلها للقاريء كما هي، بنفس الروح التي كانت به. إذا فلماذا يُترجم المُترجم؟ ما الذي دفعه لذلك؟ هل كانت تسيلة؟ أم مصلحة مثلاً؟ أن أن قوة كونية دفعته وأجبرته على السر في طريقِ الترجمة؟ أم ماذا؟وهذا ما توجهنا بسؤاله إلى بعض المُترجمين.

الترجمة محبة ومتعة
تتحدث المترجمة والأكاديمية الدكتورة أماني فوزي حبشي عن الترجمة فتقول عنها أنّها فِعل محبة، فهي تُحب مشاركة ما تقرأه ونال استحسانها مع الآخرين، وبالتالي تترجم، وتذكر في هذا السياق حكاية قيامها بترجمة رواية “اذهب حيث يقودك قلبك” لـ سوزانا تامارو؛ لأنّها أرادت أن تشارك بها مجموعة من الأصدقاء، فهي قرأتها واستمعت بها، والترجمة عندها مثل الاستمتاع بتناول وجبة شهية، وكما يقول المثل “الأكل بيحب اللمة”، وهي أرادت أن تزيد المتعة بمشاركة الآخرين، وخصوصًا عندما يكون الآخرون هم الأصدقاء.
وتضيف مترجمة أعمال أمبرتكو إيكو ولويجي بيراندللو، وكالفينو:
” الترجمة- بالنسبة لي- هي الشيء نفسه. عندما أقرأ رواية ما، أشعر بتلك الرغبة أن[يتذوقها] معي شخص آخر، أن يستمتع بما استمتعت به. في البدء كان هذا هو السبب الرئيسي، ومنه بدأت الاستمتاع بما أفعل.”
أما مُترجمة أعمال من دول شتى كبلجيكا ومقدونيا وتركيا، ريم داوود، ترى أن الترجمة بالنسبة لها هي متعة كبيرة؛ لانّها تعمل على بث روح الرضا داخلها، وكذلك تساعد القاريء على التعرف إلى عمل جيد وتكمل حديثها فتقول:
” وبخلاف تقديم للقاريء عمل جيد كُتب بلغةِ لا يُجيدها، فأنا كذلك أكون حلقة وصل بين المؤلف والقاريء المُتعطش للمعرفة والفهم في كافة مناحي الحياة.”

الترجمة هي نفسي نفسي

مبدأ المصلحة ونفسي نفسي كان الدافع الرئيسي للمترجم عن اليابانية ميسرة عفيفي في الدفع به لميدان الترجمة الأدبية، فالدافع الأول بالنسبة له كان شخصيًا جدًا، لأنّه كان يُترجم أول رواية وهي رواية “الكسوف” والتي نٌشِرت فيم بعد من خلال المركز القومي للترجمة؛ لكي يفهم النص، وفكرة النشر لم ترد في ذهنه مطلقه.
ويتابع ميسرة فيقول:” وربما يكمن سبب استمراري في الترجمة هو عدم وجود آخرين يقومون بهذا الدور، على الرغم من وجود الكثيرين أقدر مني على الترجمة من اللغة اليابانية بحكم دراستهم وبراعتهم في هذه اللغة، ولكن حِيل بينهم وبين حقل الترجمة الأدبية، وإنّ وُجدت الترجمات للادب الياباني فهي من خلال ترجمة وسيطة؛ لذا وجدت ضرورة لاقتحام ميدان الترجمة.”

في حين يرى المترجم الشاب راضي النماصي أن هنالك داخل الأنا الشخصية للفرد دافع إلى الإبداع في مجال الكِتابة، ويرى أن الترجمة أكثر أنواع الكِتابة ارتباطًا وثيقًا بالتعلم والتثقف، وبالتالي إنّ لم تكن الترجمة متقنة، إتقانها نابع من وعي المُترجم وإدراكه لأبعاد النص، فهذا يدفعك إلى قراءة كِتاب أو اثنين لأجل التشبع بروح القصيدة أو القصة التي لم يستطع المُترجم توصيلها إليك.
ويضيف راضي:
” ولأنني أحب القراءة والكِتابة، أرى أن الترجمة من تأخذ بيدهم للتميز من خلال العمل الجاد والمستمر والمتفاني في عملية الترجمة.”

الترجمة استمتاع ومشاركة

أما المُترجم عاطف محمد عبد المجيد يرى أن الترجمة بالنسبة له للإستمتاع بنصوص الآخرين كقاريء في البداية، بالطبع، نصوص هؤلاء الذين يختلفون عنه في كُل شيء. ثم يعمل على ترجمة هذا الذي استمتع به للقاريء؛ لينقل له هذه المتعةِ، ويحثه على قراءة نص قد يختلف عمّا اعتاد على قراءته من نصوص.

في حين أن المُترجم عن الفارسية، غسان حمدان، يُترجم لأنّه يُحب المشاركة، يُحب ألا يستمع بنفسه، ومتعته مع الغير. وهو كمترجم صاحب علم، وعلمه المتخصص به هو اللغة أو المعرفة بثقافة وفكر البُلدان الأخرى، وبما أن المؤلف يقطع جزء من روحه ويقدم كِتابته، فهو – كمترجم – يفعل مثلما يفعل المؤلف، بل ربما يزيد عليه.
ويضيف مُترجم الأعمال القصصية الكاملة لصادق هدايت:
” إن المُترجمين مثل العلماء الذين يقدمون بحوثهم للعالم، يقدمون الثقافات الأخرى، من الضفاف البعيدة لمواطنيهم، المُتمثلين في القُراء المُنتظرين للمتعةِ.”

الترجمة التقاط وشغف
يرى المُترجم الصحفي أحمد ليثي أنّه لا تُوجد إجابة مُعينة بخصوص لماذا يُترجم، ولكن يرى أن المتعة يجدها عندما يُترجم، وفي هذا الصدد يقول:
” أجد لذة واستمتاع عند التقاط المفردة المناسبة، ومتعتي الأكبر، هي في نقل نص من عالم لآخر،نص لم يكن يعرفه ولن يقرأه قاريء ما في لغته الأصلية، ودراستي الأولى حيث الفلسفة لها علاقة بالترجمة أو بالادب أو على نحو أعم بالكِتابة. وفي نهاية المطاف صارت الترجمة هي المهنة التي أتكسب منها.”
في حين المترجمة عن الصينية، يارا المصري، تقول عن الترجمة في عبارة مُوجزة أنها شغف وهواية، عمل ومُتنفس، حالة تعيشها مع كُل نص تترجمه.

* عن
Alef

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى