صابر رشدي - يوجد لصوص فى هذه المدينة.. قصة قصيرة

كل ما فى الغرفة وثير ومؤثث على نحو مبهر ومبالغ فيه ، جميع القطع المرصوصة بعناية تتألق ببذخ واضح لا تخطئه أعين الناظرين ، ربما غاص الزائرون في مقاعدهم وراحوا فى استرخاء لايستطيعون معه التحاور عن تلك الاشياء التى جاءوا من اجل الحديث عنها، فجميع مايحيط بهم يدعو الى الاستهانة بالاخرين والقضاء على ارادتهم .
تحت تأثير هذا الثراء الملعون ،جلس رجل رقيق الملامح ذو نظرة حزينة، يتأمل تلك الاشياء وهو يعلم تماما ما ترمى اليه، فهو احد ابناء تلك المدينة التى اكتظت فى السنوات الاخيرة بمجموعة من اللصوص اللذين اعتادوا نهبها فى موجات متتالية .
قبل أن يسترسل فى كلمات اخرى، بادره من وراء مكتب فخيم رجل مكتنز الوجه ذو نظرة ماكرة، قال مواصلا حوارا قطعه الصمت بغتة .
ـ أنت تهذي .
ـ أنا لا اهذي ، وأعي تماما ما أقول .
ـ ستقف وحيدا فى مواجهة اعصار .
ـ لم نعد نهتم كثيرا بالعواقب .
اقترب ذو الوجه المكتنز والنظرة الماكرة من حافة مكتبه . ثم نطق متهكما .
ـ كثيرون قبلك انساقوا وراء افكار غريبة ، بالطبع تعرف مصائرهم .
امتعض ذو النظرة الحزينة من تلك النبرة الصارمة التى تتصاعد منها علامات التهديد، وتذكر ما آلت اليه المدينة من خراب على ايدى البعض من أبنائها، خراب لم تخلفه حروبها السابقة مع الد اعدائها .
تظاهر المكتنز بالنظر الى ساعته الثمينة كأنه يراها للمرة الاولى، ثم رفع عينيه بإهمال، مصوبا الى الفراغ نظرة متغطرسة، تزامن معها صوت جرس حاد قادم من خارج الغرفة، تبدلت على اثره ملامح الرجل الرقيق وجعلته ينتفض واقفا فى غضب وهو يسحب مسدسا من سترته ،
ـ اضغط على الزر كما شئت، لن يجيبك احد .
ـ هل قتلتم الحراس ؟
ـ انهم يستحقون الازدراء،لا القتل .
استولى الرعب على ذى الوجه المكتنز والنظرة الماكرة، تبدلت ملامحه أيضا، صارت نظرته غائمة، وتبدد وميض الثقة من عينيه .
همس فى ذلة .
ـ ستعاد إليك حقوقك .
ـ تنكرها منذ ثوان وتتهمنى بالهذيان .
ـ كنت اختبر صلابتك، نحن بحاجة إلى شخص قوي مثلك .
كانت رائحة الهزيمة تفوح من نبراته المتخاذلة .
استعاد الرجل رقيق الملامح نظرته الحزينة، وبدا الاستياء واضحا عليه وهو يلقى بمسدسه فوق سطح المكتب .
قال ممرورا .
ـ وأنا ايضا كنت اختبرك .
ثم استدار متجها الى باب الغرفة، وقبل أن يجذب المقبض، سمع عدة رنات معدنية مكتومة تتوالى بسرعة خاطفة، صادرة من خلفه، فترك المقبض وعاد مرة اخرى. كان اليأس يسيطر على ذى الوجه المكتنز والنظرة الماكرة وهو يواصل الضغط على الزناد على نحو هيستيرى .
ـ لقد حدث خطأ بسيط، هاهو المسدس المحشو بالطلقات .
بادره ذو النظرة الحزينة بنبرة مخيفة وهويسحب مسدسا أخر ، فيما اختفت علامات الرقة عن ملامحه وهو يتقدم إليه بخطوات بطيئة لم ير خلالها غير جبهة واضحة تلمع فوقها حبات عرق غزير ومتكاثف .



* نشرت بمجلة الهلال

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى