عبد المتعال الصعيدي - المبتدأ الذي لا خبر له

لا شك في انه يوجد في علومنا ما يحتاج إلى التمحيص، ولقد درست النحو في هذه السنة فدرجت فيه على عادتي في الدرس من إيثار تمحيص المسائل على ترديدها كما دونها المؤلفون. ومن ذلك مسألة المبتدأ الذي لا خبر له، وهو الذي أشار إليه ابن مالك في قوله:

وأول مبتدأ والثاني ... فاعلٌ أغنى في أسَار ذَانِ

وهم يقولون في إعراب هذا المثال: الهمزة للاستفهام، وسار مبتدأ، وذان فاعل سد مسد الخبر. وفي هذا الإعراب المشهور مؤاخذة من وجهين:

أولهما أن هذا الوصف ليس مبتدأ في المعنى، لأن المبتدأ في الجملة الاسمية هو المحدث عنه أو المسند إليه أو المحكوم عليه، الخبر هو المحدث به أو المسند أو المحكوم به، والوصف في ذلك المثال جار مجرى الفعل، فهو محدث به لا محدث عنه، ومسند لا مسند إليه، ومحكوم به لا محكوم عليه

وثانيهما انه كلما كان هناك مبتدأ وجب أن يكون هناك خبر، فلا يمكن وجود مبتدأ لا خبر له، وهذا كما لا يمكن وجود خبر بدون مبتدأ، ولا وجود فعل أو فاعل بدون الآخر، وذلك لأنه لا يعقل وجود محدث عنه أو مسند إليه أو محكوم عليه بدون وجود محدث به أو مسند أو محكوم به، ولا يمكن أن يسد الفاعل الذي بعد ذلك الوصف مسد الخبر، لأن الفاعل مسند إليه، والوصف إذا كان مبتدأ يقتضي مسنداً لا مسنداً إليه فإذا قيل إنه ليس معنى المبتدأ هو المسند إليه أو نحوه، وإنما هي تسمية اصطلاحية بمعنى الاسم العاري عن العوامل اللفظية، فيكون ذلك الوصف مبتدأً بهذا المعنى، وإن كان مسندا لا مسنداً إليه
فالجواب أن هذه التسمية الاصطلاحية لا نظير لها في علم النحو، فلا يسمي فيه فاعل إلا إذا كان في المعنى فاعلاً، ولا يسمى فيه مفعول إلا إذا كان في المعنى مفعولاً، ولا يسمى فيه حال إلا إذا كان في المعنى حالاً، وهكذا. فيجب أن يكون المبتدأ كذلك، ولا يصح أن تكون تسميته تسمية لفظية صرفة، لأنه لا يوجد في النحو إعراب لا معنى له

والذي أراه أنه لا يجب أن يعرب مبتدأ كلً اسم عربي عن العوامل اللفظية، وقد استثنوا من ذلك اسم الفعل فلم يعربوه مبتدأ. وأنا أستثني منه ذلك الوصف فلا أعربه مبتدأ أيضاً، وإنما يعرب عندي اسم فاعل مرفوعاً لتجرده من العوامل، كما يرفع الفعل المضارع لتجرده منها، فإذا كان اسم مفعول أعرب اسم مفعول، وهكذا. وبذلك يستقيم جعل ذلك الوصف مسنداً، وجعل مرفوعة مسنداً إليه.

عبد المتعال الصعيدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى