عبد القادر وساط - من أحلام الشاعر الفرنسي روبير ديسنوس DESNOS

رأى روبير ديسنوس، فيما يرى النائم، أنه متمدد أرضا، بلباس الميدان، في خندق موحل، قرب غابة تورينغن، بألمانيا.
كان عاجزا تماما عن الوقوف، بسبب الرصاص الذي أصاب ساقيه وفخذيه، خلال معركة الأمس مع الجنود الألمان.
كان رفاقه قد اختفوا جميعا، بكيفية غير مفهومة، وتركوه وحيدا في ذلك الخندق الرهيب.
حتى بندقيته لم يعد يعرف أين هي.
بالقرب منه، كانت هناك خَمْسة فئران رمادية تتقافز حول قطٍّ ميت، غير عابئة بالثلج الذي كان يسقط بغزارة شديدة في الخندق.
وعندما توقفَ الثلجُ عن السقوط، شرعت الطوابع البريدية الملوَّنة تنهمر من السماء. أعداد هائلة من الطوابع كانت تسقط أرضا، وتكاد تغطي بياضَ الثلج.
كان ديسنوس يراقب ذلك المشهد بدهشة، ويتأمل جثة القط التي صارت مكسوة بالطوابع ، حين سَمعَ صوتَ امرأة يخاطبه بمكبر الصوت من مكان قريب:
- روبير! ينبغي أن تستسلم الآن. لا تخش شيئا... لن يصيبك سوء. هيا، انهض حالا وسلم نفسك. الجنود الذين يرافقونني لن يؤذوك إذا أنتَ استسلمتَ دون مقاومة.
بعد صمت قصير، عادت المرأة تقول له:
- ألم تعرف صوتي يا روبير؟ أنا يوكي Youki، حبيبتك اليابانية التي هجرتْ زوجَها الرسام من أجلك... روبير، بحق الأوقات الهنيئة التي قضيناها معا قبل نشوب الحرب، أطلب منك أن تستسلم الآن، دون إبطاء.
كان ديسنوس عاجزا تماما عن الحركة، بسبب الجراح العميقة في ساقيه وفخذيه. وكان عاجزا حتى عن الكلام.
بقيت يوكي تكرر نداءها له، عبر مكبر الصوت، وتطلب منه أن يتخلى عن سلاحه، وأن يغادر الخندق رافعاً يديه.
بعد لحظة سمعها تقول له:
- روبير، هي ذي الموسيقى التي تحب، لعلها تشجعك على مغادرة الخندق.
لم تكد تنهي جملتها حتى انطلقتْ، عبر مكبر الصوت، مقطوعة بعنوان "وصول ملكة سبأ" للموسيقي الألماني هندل.
- هل تذكر أيام كنتَ تسميني ملكة سبأ؟ سألتْه يوكي.
كان الثلج قد بدأ في السقوط من جديد. وكان ديسنوس قد تذكرَ في تلك اللحظة بالذات أن اسمَ يوكي يعني باللغة اليابانية: الثلج.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى